لا حل اقتصادياً للكارثة الاقتصادية – الاجتماعية في سورية!

عادةً ما يتم تقييم الوضع الاقتصادي- الاجتماعي في بلدٍ من البلدان، بمجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكبرى. رغم ذلك، فإنّ المؤشرات الرقمية – على تعددها وتنوعها- لا تكفي وحدها، ورغم فداحتها ومأساويتها في الحالة السورية، لتكوين صورة متكاملة عن اقتصاد يرزح تحت وطأة أزمة سياسية متكاملة الأركان.

المؤشرات الرقمية التي سنعرض لها هي التالية:

أولاً: رقم النمو،

ثانياً: توزيع الدخل الوطني (أجور- أرباح)،

ثالثاً: العلاقة بين الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى لمستوى المعيشة،

رابعاً: معدل البطالة،

خامساً: نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية،

سادساً: الفاقد الضريبي.

أولاً: رقم النمو

منذ عام 2011 وحتى اللحظة، ووفقاً لوسطي الإحصاءات المختلفة، المحلية والدولية، فإنّ معدل النمو الاقتصادي في سورية بقي دون 4% سنوياً، ناهيك عن أنّه بقي سالباً طوال 6 سنوات من 2012-2017، حيث بلغ قرابة سالب 26% عامي 2012 و2013. وبالإجمالي فقد كان الرقم الرسمي للناتج المحلي الإجمالي عام 2011 هو بحدود 60 مليار دولار، في حين لم يتجاوز 10 مليار دولار عام 2023 وفقاً لمختلف التقديرات.

ثانياً: توزيع الدخل الوطني (أجور-أرباح)

وفقاً لحسابات “قاسيون”، ولحسابات محلية مختلفة، فإنّ كتلة الأجور من الدخل الوطني تتراوح بين 10-15% بمقابل 85-90% لصالح الأرباح؛ وهو رقمٌ يعبر عن حجم التفاوت الهائل ضمن المجتمع السوري الذي تعيش فيه قلة قليلة من الأغنياء في أوضاعٍ ممتازة، بينما تعيش الغالبية العظمى من السوريين تحت خط الفقر. وهو في الوقت نفسه رقمٌ يعبر عن الطريقة التي يدار بها الاقتصاد السوري؛ أي لمصلحة من يدار. وفوق ذلك، فهو رقمٌ يتجاوز في عدم عدالته حتى أكثر الدول في العالم رأسمالية التي تتراوح حصة الأجور فيها من الدخل الوطني بين 30-40%.

ثالثاً: العلاقة بين الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى لمستوى المعيشة

يوضح الرسم البياني التالي العلاقة بين الحد الأدنى للأجور الرسمية، وكلاً من وسطي تكاليف المعيشة، والحد الأدنى لتكاليف المعيشة، لأسرة سورية من 5 أشخاص، منذ العام 2014 وحتى مطلع العام 2024.

يوضح الرسم البياني التالي العلاقة بين الحد الأدنى للأجور الرسمية، وكلاً من وسطي تكاليف المعيشة، والحد الأدنى لتكاليف المعيشة، لأسرة سورية من 5 أشخاص، منذ العام 2014 وحتى مطلع العام 2024.

يظهر من الرسم أنّ سرعة ارتفاع الأجور الرسمية، هي سرعة بطيئة جداً مقارنة بارتفاع الأسعار؛ إلى ذلك الحد الذي لا تستطيع اليوم أسرة سورية من خمسة أشخاص ضمنهم معيلان، أن تؤمن (عبر الأجور) أكثر من 5% فقط من التكاليف الأساسية للمعيشة.

رابعاً: معدل البطالة

توجد عدة نماذج رياضية لاحتساب معدل البطالة، ويصبح الأمر أكثر صعوبةً بغياب آليات الإحصاء الشامل. لكنّ أحد هذه النماذج هو الاستناد إلى نسبة المشمولين بالتأمينات الاجتماعية، والتي بلغت عام 2022، 39%، ما يعني أنّ معدل البطالة الرسمي في سورية يفوق 60% وفقاً للباحثة د. رشا سيروب.

خامساً: نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية

كتلة الأجور في اقتصادٍ ما، لا تحسب فقط بجمع الأجور المباشرة، بل يضاف إليها الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية، والذي يفترض به أن يعوّض عن تدني الأجور مقارنة بالأسعار. في الحالة السورية، وعام 2022، بلغ نصيب الفرد السنوي من الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية 215000 ليرة سورية (حوالي 14.5 دولار سنوياً!).

سادساً: الفاقد الضريبي

إذا قارنا طريقة تعامل الدولة مع أصحاب الأجور، التي تتجلى في كتلة الأجور وكتلة الإنفاق الاجتماعي، مع طريقة تعاملها مع أصحاب الأرباح، إذاً لتبين لنا انحيازها الكامل لهؤلاء الأخيرين.

إذا أخدنا عام 2022 كمؤشر، وبافتراض أنّ ضريبة الأرباح هي 10% فقط، (وليست 20- 30% كما هي في معظم دول العالم)، فإنّ التحصيل الضريبي الاسمي للدولة كان ينبغي أن يصل إلى 3.3 ترليون ليرة سورية، وما تم تحصيله فعلياً هو 810 مليار ليرة سورية فقط. ما يعني من جهة أنّ الفاقد قد بلغ 75%، ومن جهة أخرى فإنّ قيمة هذا الفاقد (2.49 ترليون) إذا ما تم تحصيلها وتوزيعها على السوريين، لبلغت حصة الفرد الواحد (بافتراض تعداد 18 مليون سوري)، 13.8 مليون ليرة سورية سنوياً، أي 64 ضعف حصة الفرد الحالية من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية!

يتوضح هذا الرقم أكثر عند المقارنة بين معدلات النمو وبين معدلات نمو العجز في الموازنة؛ مثلاً عام 2022، كان معدل نمو الاقتصاد الحقيقي هو 0.5%، في حين وصل معدل نمو العجز إلى 65%.

الأبعاد السياسية – الاقتصادية

اللوحة السوداوية، ولكن الواقعية، التي تكشفها الأرقام التي عرضناها أعلاه، ورغم سوداويتها القاتمة، فهي لا تعبر بشكلٍ كامل عن مدى سوء الأوضاع الحقيقي في الجانب الاقتصادي – الاجتماعي في سورية.

إذ يضاف إليها، العقوبات والحصار الغربيان، اللذان يعمقان مفاعيل هذه المؤشرات، وأسوأ من ذلك أنهما يحفزان الاقتصاد الأسود الإجرامي بكل أشكاله وأنواعه.

اللوحة السوداوية، ولكن الواقعية، التي تكشفها الأرقام ورغم سوداويتها القاتمة، فهي لا تعبر بشكلٍ كامل عن مدى سوء الأوضاع الحقيقي في الجانب الاقتصادي – الاجتماعي في سورية. إذ يضاف إليها، العقوبات والحصار الغربيان، اللذان يعمقان مفاعيل هذه المؤشرات، وأسوأ من ذلك أنهما يحفزان الاقتصاد الأسود الإجرامي بكل أشكاله وأنواعه.

ويضاف أيضاً، أنّ هنالك تقسيم أمر واقع في سورية يوزّعها على أربع مناطق متمايزة على الأقل، في كل منها سلطة مختلفة. ولكنّ التقسيم على أساس دورة إنتاج – استهلاك، بات أشد خطورةً حتى؛ فالدولة الوطنية تستند، فيما تستند، إلى سوقٍ واحدة؛ وفي سورية لم يعد يتجاوز قطر الدائرة الاقتصادية، وفقاً لأبحاث عديدة، 70-100 كم!

هل من مخرج؟

دائماً ما قلنا إنّه لا حل اقتصادي للأزمة الاقتصادية في سورية، وإنما الحل سياسي بالدرجة الأولى.

ضمناً فإنّ حلاً سياسياً حقيقياً، يتطلب التوقف فوراً عن المضي في السياسات الليبرالية المتوافقة مع توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، ويتطلب التوجه شرقاً قولاً وفعلاً، بما يوقف النهب الاستعماري الجديد لبلادنا، عبر استبداله بعلاقات متكافئة تشتغل على تنمية حقيقية في البلاد.

كل ذلك يتطلب إرادة سياسية لا يمكن تشكيلها دون تثقيل وزن غالبية السوريين المسحوقة في القرار؛ والمدخل لذلك هو الحل السياسي الشامل عبر تنفيذ القرار 2254 الذي يضمن وحدة البلاد وأهلها، وخروج القوات الأجنبية منها، وإنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه على مختلف الصعد، وضمنها حقه في تقرير مصيره بالمعنى الاقتصادي- الاجتماعي.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]