التعليق الأول لبعض مواد دستور الكويت.. وتعطيل الحياة النيابية قبل نصف قرن

خلال العطلة الصيفية لمجلس الأمة الرابع، الذي كانت جلسته الأخيرة قبل مباشرته العطلة قد شهدت تبادل عبارات الثناء والمجاملة حول التعاون الايجابي بين السلطتين في كلمتي رئيس مجلس الأمة حينذاك خالد الغنيم، ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر العلي السالم…وفجأة، ومن دون مقدمات، جرى الإعلان عبر الإذاعة والتلفزيون صبيحة يوم الأحد، الرابع من شهر رمضان المبارك من العام الهجري 1396 الموافق 29 أغسطس 1976، عن رفع سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حينذاك الشيخ جابر الأحمد كتاب استقالة الحكومة إلى سمو الأمير الأسبق الشيخ صباح السالم، متضمناً اتهامات شديدة إلى مجلس الأمة بأنّه المسؤول عن “تعطل النظر في مشروعات القوانين، التي تراكمت مدة طويلة لدى المجلس ولم يتيسر لأغلبها أن يرى النور بالرغم من أهميتها الحيوية”، وأن “الكثير من الجلسات، التي يعقدها المجلس تضيع من دون فائدة، كما أصبح التهجم والتجني على الوزراء والمسؤولين دون وجه حق همّ الكثيرين من الأعضاء، وأصبح من الصعب على الوزراء الاستمرار في العمل”.

وفي اليوم ذاته ألقى سمو الأمير الأسبق الشيخ صباح السالم، الذي كان قد عاد قبل فترة وجيزة من رحلة علاج في الخارج، خطاباً عبر الإذاعة والتلفزيون تضمن نقداً شديداً لمسار الحياة الديموقراطية.

وجرى الإعلان أيضاً عبر الإذاعة والتلفزيون ومن خلال طبعة خاصة مجهّزة من الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” عن إصدار مجموعة من الأوامر الأميرية، بعضها كان دستورياً، وهما الأمران الأميريان بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء وإعادة تعيين الشيخ جابر الأحمد رئيساً لمجلس الوزراء، وبعضها الآخر صدر خارج الإطار الدستوري، حيث قضى أحدهما بتعليق العمل بعدد من مواد الدستور، وتعطيل الحياة النيابية، وقضى الآخر بإصدار تعديل على قانون المطبوعات والنشر لإضافة المادة 35 مكرر بما يتيح للحكومة تعطيل الصحف إدارياً.

إذ أوقف الأمر الأميري في مادته الأولى العمل بأحكام مواد الدستور 56 فقرة 3، و107، و174، و181، فيما قررت مادته الثانية حلّ مجلس الأمة، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور… وقضت المادة الثالثة من الأمر الأميري بصدور القوانين بمراسيم أميرية، ويجوز عند الضرورة إصدارها بأوامر أميرية.

ونصت المادة الرابعة على أن “يصدر مرسوم بتشكيل لجنة من ذوي الخبرة والرأي للنظر في تنقيح الدستور لتلافي العيوب، التي أظهرها التطبيق العملي وتوفير الحكم الديموقراطي السليم والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، على أن يكون التنقيح متفقاً مع روح شريعتنا الغراء، مأخوذاً من تقاليدنا العربية الكويتية الأصيلة”.

وحددت المادة الخامسة فترة عمل لجنة تنقيح الدستور بستة أشهر من تاريخ تشكيلها، وأن ترفع مقترحاتها إلى الأمير بعد موافقة مجلس الوزراء، ويعرض المشروع على الناخبين للاستفتاء عليه أو يعرض على مجلس الأمة المقبل لإقراره خلال مدة لا تزيد على أربع سنوات، أي حتى العام 1980.

ظروف وعوامل:

إذا حاولنا أن نبحث عن تفسير نحدد خلاله السبب الوحيد أو المباشر، الذي أدى إلى الانقلاب الأول على الدستور في أغسطس من العام 1976، فسنجد أنّه من الصعب الوصول إلى مثل هذا السبب الوحيد أو المباشر.

فمجلس الأمة كان في عطلته الصيفية، ولم تكن هناك علاقة متوترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال دور الانعقاد السابق للعطلة.

ولكن الأرجح أنّه من بين تلك الدوافع يبرز دافع إضعاف نفوذ الشيخ جابر العلي نائب رئيس الوزراء، الذي كان يمتلك تأثيراً ملحوظاً على عدد ليس قليل من أعضاء مجلس الأمة.

ردود الفعل الشعبية:

صبيحة يوم الأحد 29 أغسطس من العام 1976، وبالتزامن مع إذاعة استقالة الحكومة وخطاب الأمير وإعلان الأوامر الأميرية غير الدستورية، دعا وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حينذاك الشيخ سالم صباح السالم إلى اجتماع عام حضره ممثلو النقابات والجمعيات والهيئات الشعبية لشرح مبررات تلك الإجراءات والطلب من ممثلي المجتمع المدني تأييدها.

وكان الموقف الأوضح هو موقف ناصر الفرج رئيس الاتحاد العام لعمال الكويت، الذي كان حاضراً الاجتماع مع زميله القيادي النقابي الأخ حسين اليوحة، حيث ردّ على حديث الوزير وأعلن باسم الحركة النقابية العمالية رفض تلك الإجراءات.

كما نشرت بعض الصحف والمجلات مقالات غير مؤيدة، فردّت الحكومة عليها بتعطيلها إدارياً وفقاً للأمر الأميري باستحداث المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات، وهذه الصحف هي: “الوطن“، و”الطليعة“، و”الرائد“، و”الاتحاد“، و”الرسالة“، و”الهدف“.

وكذلك أصدرت سبع من الهيئات الشعبية بياناً طالبت فيه “بعودة الشرعية والحكم الدستوري، واسترداد المكاسب الديموقراطية بأسرع وقت”، وهي:

-الاتحاد العام لعمال الكويت.

-رابطة الأدباء.

-جمعية المحامين.

-جمعية الصحافيين.

-نادي الاستقلال.

-جمعية المعلمين.

-الاتحاد الوطني لطلبة الكويت.

وكانت قيادتا الاتحادين العام لعمال الكويت والوطني لطلبة الكويت حينذاك وقتها تتكون من العناصر التقدمية، بينما لم تشارك “جمعية الخريجين” و “جمعية الإصلاح الاجتماعي” في التوقيع على بيان الهيئات الشعبية.

ومن جانب آخر قام قياديو الاتحاد العام لعمال الكويت بتوزيع نسخ عديدة من البيان في بعض مناطق الكويت وعلى المصلين في المساجد خلال شهر رمضان، حيث لم تنشر الصحف، التي استمرت في الصدور ذلك البيان.

فردّت الحكومة باعتقال موزعي البيان وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد العام لعمال الكويت، وهم:

  • جلال السهلي.
  • علي الكندري.
  • ناصر ثلاب.
  • نهار عامر مكراد.
  • ناصر الفرج.
  • رجا العتيبي.
  • حسين اليوحة.

وفي وقت لاحق قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بحلّ مجالس الإدارات المنتخبة للجمعيات الموقّعة على البيان المعارض للإجراءات غير الدستورية، وفرضت مجالس إدارات معينة عليها، ثم أصدرت في العام 1977 قراراً بحلّ نادي الاستقلال، الذي كان مركز تجمع عناصر المعارضة التقدمية، أما الاتحاد العام لعمال الكويت، فلم يتم حلّه لأسباب تتصل بأحكام قانون العمل، التي تشترط صدور حكم قضائي بالحلّ.

تأخر رد الفعل النيابي:

واللافت للانتباه أنّ أعضاء مجلس الأمة المنحلّ أنفسهم، لم يبدوا رد فعل فورياً على قرار الحلّ والاتهامات الموجهة ضدهم.

ولاحقاً بعد مضي نحو سنة، رفع 18 نائباً مذكرة إلى سمو الأمير أكدوا فيها ضرورة عودة مجلس الأمة المنحل وفقاً للمادة 107 من الدستور، وعدم جواز تعطيل أي حكم الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وفقاً للقانون.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

انتخابات ٢٥ يناير ١٩٦٧ المزوّرة

عندما اتضح أنّ قائمة “نواب الشعب” ستحرز نجاحاً مرجحاً في المعركة الانتخابية، استعدت السلطة لتزوير الانتخابات، بهدف ضمان غالبية المجلس إلى جانبها…

أساليب مبتكرة للمقاومة الفلسطينية في مرحلة الهرولة للتطبيع

كان خروج مصر من معادلة الصراع العربي – الصهيوني بشكل كامل عام 1978، بتوقيع الرئيس السادات معاهدة الصلح المنفرد مع “إسرائيل”، واندفاعه إلى حظيرة التبعية لأميركا، عاملاً رئيسياً في تغير الظروف الإقليمية لصالح العدو الصهيوني. وشهدت نهايات السبعينات وما تلاها تغيرات دولية في اتجاه هيمنة القطب الواحد الأميركي.

الثورة الجزائرية الخالدة ” نبراساً لمقاومة الاستعمار والظلم”

كان صدى الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر عام 1954 يدوي في كل مكان من هذا العالم ضد الظلم والاستبداد الاستعماري، لاسيما أن هناك العديد من الشعوب ما زالت تحت نير الاستعمار الغربي، الذي كان يعم مناطق كثيرة في العالم، خاصة المستعمرات الفرنسية على وجه التحديد في إفريقيا، حيث أن الثورة الجزائرية أشعلت لهيب العنف الثوري ضد المستعمر كخيار مبدئي واستراتيجي للحصول على الاستقلال الكامل والحرية