اعتبارات تشريع القوانين خلال الفترة الاستثنائية

نشرت بعض الصحف اليومية قبل أيام خبراً عن قرار مجلس الوزراء بإعادة النظر في ٤٢ مشروعاً بقانون سبق أن كانت محالة بالأساس إلى مجلس الأمة قبل حلّه وإحالتها مجدداً إلى الجهات الحكومية المختلفة لإعادة إصدارها بمراسيم بقوانين وذلك بالتنسيق مع “الفتوى والتشريع”، بحيث تتم مراجعتها من جهة، وإعداد الصياغات القانونية لها من جهة أخرى، واتخاذ قرارات بشأن الاستمرار في إصدارها أو صرف النظر عنها من جهة ثالثة.

وهو قرار يمكن تفهّم دوافعه، ولكنه هذا القرار في الوقت نفسه يحتاج إلى تدقيق، فهذه العملية ليست إجراءً تشريعياً فنياً، وإنما هي عملية تشريعية لها أبعادها الدستورية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي لا بد من مراعاتها.

فنحن عندما ننظر إلى قائمة هذه المشروعات بقوانين نجد أنّ بعضها مستحق التشريع مثل قوانين الميزانيات المتأخرة عن موعدها المقرر، وهذه لا بد من إصدارها في أقرب وقت، خصوصاً بعدما انقضى أكثر من ثلاثة أشهر على بدء السنة المالية الحالية، حيث يتم الآن الصرف المالي للدولة خارج إطار الميزانية.

ولكن هناك في المقابل مشروعات قوانين عامة أخرى يفترض التأني فيها وعدم الاستعجال بإصدارها خلال الفترة الاستثنائية، إذ أنّها تشريعات مثيرة للجدل، وذلك إما لأنها تمس الحدود الدنيا من الحريات العامة مثل مشروع قانون الاجتماعات العامة والمواكب ذي الصلة بحرية الاجتماعات المكفولة دستورياً، ومشروع قانون المنظمات النقابية ذي الصلة بحرية النشاط النقابي وبأوضاع الهيئات النقابية القائمة… أو لكون عدد من هذه المشروعات بقوانين محل تعارض وخلاف بين مصالح قوى اجتماعية مختلفة مثل مشروع قانون تعديل قانون تنظيم برامج وعمليات التخصيص، الذي قد ينتقص من الضمانات المقررة في القانون الحالي للقطاع العام وعدم تصفيته، ومشروع قانون الأذن للحكومة بعقد قروض عامة وعمليات التمويل من الأسواق المالية المحلية والعالمية، ومشروع قانون العقاري للسكن الخاص، اللذين كانا منذ سنوات موضع شدّ وجذب واعتراضات واسعة.

ومن هنا، فإننا نرى أنّه من المهم قبل إصدار مثل هذه المشروعات المثيرة للجدل بمراسيم بقوانين في ظل غياب مجلس الأمة أن يتمكن الرأي العام الشعبي بشكل شفاف من الاطلاع المسبق على هذه المشروعات للتعرف عليها ومحاولة فهم أبعادها وتأثيراتها… وأن تتاح الفرصة كذلك أمام مختلف أطراف المجتمع وخصوصاً التيارات السياسية والهيئات النقابية والجمعيات المهنية وجمعيات النفع العام وجماعات الضغط  لإجراء مناقشات حرة ومفتوحة حول هذه المشروعات بقوانين وإبداء الملاحظات والتعليقات حولها واقتراح التعديلات عليها، وأن تحرص الحكومة بشكل جدي على متابعة هذه المناقشات والملاحظات والتعديلات والأخذ بها ما أمكن ذلك.

والهدف مما نقترحه هنا هو تحقيق درجة من مشاركة الرأي العام الشعبي في العملية التشريعية في ظل غياب مجلس الأمة، وكذلك مراعاة الحدّ الأدنى من متطلبات العدالة الاجتماعية والتوازن بين المصالح المتعارضة وتلافي سلبيات الانحياز التشريعي للمصالح الطبقية الضيقة للقوى المتنفذة، وعدم التسرّع في إصدار مراسيم القوانين.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

نحو تصحيح مفهوم المواطنة

معالجة ما يتعارف عليه بقضية “الهوية الوطنية” على أسس صحيحة لا يمكن أن يتحقق في ظل قانون الجنسية الحالي، الذي أقل ما يُقال عنه أنّه متخلف ومتناقض… فما بالك بقدرة هذا القانون على علاته على تلبية الاستحقاق الأهم وهو تحقيق المواطنة الدستورية المتساوية؟

بدعة “بوابة تفتيش” للرقابة

نعترض على أي اتجاه لاستحداث قنوات رقابية غير قانونية ونرفض أي محاولة لاعتماد معايير رقابية غير مهنية على النتاجات الإبداعية من كتب وأفلام ومصنفات فنية

“وعد بلفور” … الحلقة الأولى من مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني على العرب

الصراع مع الكيان الصهيوني ليس صراعاً مع الفلسطينيين وحدهم بوصفهم الضحية الأولى للاحتلال، وإنما هو صراع وجودي مع شعوب الأمة العربية وقواها التحررية كافة وفي مقدمتها الشعب العربي الفلسطيني وقوى المقاومة، فالمشروع الصهيوني يستهدفنا جميعاً.

سنة على طوفان الأقصى: وحدة المصير… مقاومة على درب التحرير

طوفان الأقصى أعاد الاعتبار إلى المقاومة بوصفها الخيار الأساسي الأول أمام شعبنا العربي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وأبرز مآثر الصمود الشعبي الفلسطيني الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الوحشية الصهيونية، وقطع الطريق على محاولات التآمر الصهيوني- الإمبريالي المحمومة لتصفية القضية الفلسطينية، وطوى صفحة العار المتمثلة في اتفاقات أوسلو الخيانية.

[zeno_font_resizer]