عندما تسقط المبادئ والأخلاق في فخ السردية الصهيونية
فلسطين وقضايا التحرر الوطني تعري أصحاب المواقف المتناقضة والمبادئ الهشة، وطريق التحرير يكتب بدماء الشهداء والمقاومة بكافة أشكالها.
مضت ثلاثة أشهر ونصف الشهر على تشكيل الحكومة الحالية بعد تعطيل الحياة النيابية وتعليق عدد من مواد الدستور، وخلال هذه المدة وعلى الرغم من الوعود المتكررة لم تعلن هذه الحكومة برنامج عملها، فيما تجاهلت تماماً إصدار قرارات مستحقة بشأن تحسين مستوى المعيشة بما يخفف من وطأة التضخم والغلاء، بل أنها على خلاف ذلك اتخذت قرارات ضاغطة على معيشة الفئات الشعبية، كان أبرزها قرار إلغاء البدلات المالية المقررة في رواتب العديد من الموظفين، وإصدار تعديل على قانون الايجارات لصالح ملاك العقارات ولا يراعي مصالح المستأجرين المعسرين بحيث تكون لعقد الايجار بعد تصديقه وتذييله بالصيغة التنفيذية قوة السند التنفيذي لاقتضاء الأجرة المتأخرة.
وفي السياق ذاته تعرّض مئات من العاملين الكويتيين في إحدى شركات الاتصالات وفي الخطوط الجوية للفصل التعسفي وإنهاء خدماتهم، وتم التضييق على حرية العمل النقابي، مثلما حدث لمجلس إدارة نقابة العاملين في وكالة الأنباء الكويتية الذين تم التحقيق معهم بسبب دفاعهم عن إحدى زميلاتهم الموظفات، كما جرى إطلاق بالونات اختبار عبر بعض الصحف وحسابات الخدمات الإخبارية بشأن زيادة سن التقاعد وإلغاء الدعوم، قوبلت باستياء شعبي ما دفع الحكومة إلى الإسراع في الإعلان عن نفيها.
وشهدت الكويت خلال أشهر الصيف القائظ انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وذلك جراء زيادة الحمل وعدم صيانة محطات توليد الطاقة وشبكات التوزيع.
فيما انصرف الاهتمام الحكومي نحو التركيز على إجراءات شكلية كالبصمة الثالثة لتأكيد انتظام وجود الموظفين في مراكز العمل، ولم تأخذ هذه الإجراءات بعين الاعتبار التعقيدات العملية المترتبة عليها، كما لم تلتفت إلى أحد أهم أبعاد المشكلة المتمثل بالتضخم الوظيفي في معظم الوزارات والجهات الحكومية.
ومن جانب آخر، تمادت وزارة الداخلية والجهاز المركزي في التضييق على الكويتيين البدون عبر سحب جوازات سفرهم المؤقتة الصادرة وفق المادة ١٧، وتوجيه الإنذارات بإخلاء المساكن الشعبية في منطقة الصليبية، ما سيزيد من معاناتهم الإنسانية في ظل غياب أي أفق لحلّ قضيتهم.
أما على مستوى الحريات، فقد تعرضت لمزيد من التضييق، إذ اتسعت دائرة الملاحقات السياسية لأصحاب الرأي المخالف، الذين جرى استدعاء عدد منهم وتقديمهم إلى المحاكمات وإصدار أحكام بحبسهم، كما تمّ منع إقامة التيارات السياسية فعالية لدعم المقاومة في غزة وتأبين الشهيد إسماعيل هنية في ٤ أغسطس الماضي، وصدرت تحذيرات معلنة لوسائل التواصل الاجتماعي والخدمات الإخبارية من مجلس الوزراء في ٢٥ يونيو بشأن ما ينشر فيها عن الجهات الحكومية، بل صدر بعض هذه التحذيرات من جهات حكومية غير مختصة مثل التعميم الصادر في ٣٠ يوليو عن الهيئة العامة للبيئة الموجّه إلى وزارة الإعلام والصحف والخدمات الإخبارية بشأن ضوابط نشر أخبار الهيئة.
ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إنّ نهج الحكومة الحالية أصبح لا يُطاق، وهو نهج ضار ويتعارض مع حقوق الشعب وحرياته ومصالحه، ولم يعد مقبولاً استمراره، وسيزيد من حالة الاستياء الشعبي مالم يتم وضع حدٍّ له.
فلسطين وقضايا التحرر الوطني تعري أصحاب المواقف المتناقضة والمبادئ الهشة، وطريق التحرير يكتب بدماء الشهداء والمقاومة بكافة أشكالها.
لابد من محاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة ووضع حد لها، وبالتأكيد فإن الحلول الإدارية متوفرة وهناك طاقات بشرية متخصصة مهم الاستعانة بها والاستفادة منها لخدمة البلد.
وقد تكون أفضل وسيلة للإجابة عن مثل هذا السؤال المستحق هي تتبّع مسار الأمور في البلاد منذ التحرير وما آلت إليه وصولاً إلى واقعنا الراهن.
الهدف مما نقترحه هنا هو تحقيق درجة من مشاركة الرأي العام الشعبي في العملية التشريعية في ظل غياب مجلس الأمة، وكذلك مراعاة الحدّ الأدنى من متطلبات العدالة الاجتماعية والتوازن بين المصالح المتعارضة وتلافي سلبيات الانحياز التشريعي للمصالح الطبقية الضيقة للقوى المتنفذة، وعدم التسرّع في إصدار مراسيم القوانين.