موازين القوى تبدّلت… لكن العدو لم ينتصر والصراع لم ينته

مع نهاية العام المنصرم وبداية العام الجديد يمكن تلخيص الموقف في الصراع الدائر بالمنطقة بين المقاومة وقوى التحرر وشعوب أمتنا العربية من جهة والعدو الإمبريالي الصهيوني وأعوانه الإقليميين والمحليين من جهة أخرى بأنّ موازين القوى قد تبدلت واختلت لكن العدو لما ينتصر بعد، ناهيك عن أنّ الصراع لا يزال مستمراً ولم يتوقف.

نعم لقد شنّ العدو حرب إبادة وواصل عمليات القتل والدمار ووجّه ضربات مؤلمة للمقاومة، لكنه لما يحقق بعد أهدافه المعلنة في القضاء على المقاومة في غزة ولبنان، بل لقد اضطر العدو في لبنان إلى السعي للتوصل إلى هدنة وقتية، وها هو عبر حماته ووسطائه يجري مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة في غزة للتوصل إلى ترتيب مشابه.

وصحيح كذلك أنّ المقاومة في المنطقة فَقَدَت سورية وما تمثّله من ظهير لوجستي مهم وسند سياسي داعم، إلَّا أنّه في المقابل لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ جبهة الإسناد اليمنية لا تزال صامدة وهي لا تزال تشكّل عنصر ضغط جدياً على العدو، الذي يتعرّض إلى ضربات متصلة من صواريخ اليمن الباليستية وطائراتها المسيّرة، والأهم أنّ ميناء إيلات لا يزال معطّلاً بفعل هذه الضربات.

وعلى الجبهة الدولية، ورغم الانحياز الفاضح للغرب الإمبريالي إلى جانب العدو الصهيوني، إلَّا أنّ المستجد الأهم هو تبدّل موقف الرأي العام الشعبي في العالم أجمع، وليس في الغرب فحسب، لصالح القضية الفلسطينية، ما سيفرض ضرورة تلبية استحقاق قيام الدولة الفلسطينية… بل امتدت تداعيات الطوفان والعدوان وفرضت واقعياً توقف هرولة بقية أطراف النظام الرسمي العربي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني. 

وغير هذا، فإنّ مستوطني الكيان الصهيوني أصبحوا منذ عملية “طوفان الأقصى” يواجهون تحديات، بل أزمة وجودية تتمثّل في تساؤلات جدية أصبحت مستحقة ولا يمكن تجاهلها تتصل بمدى قدرة الكيان على فرض نفسه في المنطقة واندماجه فيها، ناهيك عن تسيّده عليها.

ومن حيث الدور الوظيفي للكيان الصهيوني كمخفر أمامي مزروع في منطقتنا لحماية المصالح الإمبريالية الغربية وإحكام قبضتها على شعوب المنطقة وتنفيذ مخططاتها، فإنّ الطوفان والعدوان كشفا بالملموس مدى ارتفاع الكلفة المادية والكلفة العسكرية الباهظة، ناهيك عن الكلفتين السياسية والمعنوية لوجود هذا الكيان وحمايته وتمكينه.

أما بشأن ما شهدته سورية من تغيير، فإنّنا لن نتوقف أمام التغيير الداخلي وأبعاده واتجاهاته، فهذا شأن سيحسمه السوريون طال الزمان أم قصر، وإنما يعنينا الموقف السوري تجاه الصراع مع العدو الصهيوني وحماته، ومن خلاله الموقف السوري تجاه احتلال الجولان والتمدد الصهيوني الأخير في الأراضي السورية، والموقف تجاه توقيع اتفاقية استسلام وتطبيع جديدة، والموقف تجاه قوى المقاومة ودعمها.

صحيح أنّ تصريحات الحكام الجدد تبدو بكل أسف غير آبهة بالاحتلال الصهيوني ومتنصلة من القضية الفلسطينية، ولكننا نراهن على موقف الشعب السوري نفسه، الذي لا يمكن أن يتقبّل التعايش مع الاحتلال، ومن الصعب تصوّر تخليه عن فلسطين والقضية الفلسطينية، ويكفينا مؤشراً ذا دلالة المظاهرات الشعبية الرافضة للاحتلال في بلدات وقرى ريف درعا… وفي الوقت ذاته، فإنّه من غير المتوقع أن يكون الموقف الإيجابي الذي أعلنته “حركة المقاومة الإسلامية – حماس” تجاه التغيير في سورية منطلق فحسب من اعتبارات “حزبية” وأيديولوجية” ذاتية ضيقة تتجاهل الصراع مع العدو الصهيوني والدور السوري المفترض في دعم “حماس” على أقل تقدير لمواصلة دورها المقاوم… وهذا في نهاية الأمر خاضع للاختبار.

باختصار، فإنّه مهما تبدّلت موازين القوى واختلت إلَّا أنّه لا يمكن بحال من الأحوال التوفيق بين مصالح العدو واحتلاله وعدوانه المدعوم من حماته الإمبرياليين وأعوانه الإقليميين والمحليين وبين المصالح القومية والوطنية لشعوبنا العربية وحقوقها الثابتة والمشروعة… لذا فإنّ الصراع قائم ومستمر.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

كأس الخليج ٢٦ تحت المجهر

يبدو أن “ردة الفعل” بعد الكارثة التنظيمية في إحدى مباريات تصفيات آسيا لنهائيات كأس العالم، شكلت تحدياً للحكومة ودافعاً للنجاح، وليس كمشروع رياضي استراتيجي جدي لتطوير المجال الرياضي، الذي شهد تراجعاً بل انحدر في السنوات الأخيرة، حيث آن الأوان لتطوير جذري للمنظومة الرياضية في الكويت.

نحو تصحيح مفهوم المواطنة

معالجة ما يتعارف عليه بقضية “الهوية الوطنية” على أسس صحيحة لا يمكن أن يتحقق في ظل قانون الجنسية الحالي، الذي أقل ما يُقال عنه أنّه متخلف ومتناقض… فما بالك بقدرة هذا القانون على علاته على تلبية الاستحقاق الأهم وهو تحقيق المواطنة الدستورية المتساوية؟

بدعة “بوابة تفتيش” للرقابة

نعترض على أي اتجاه لاستحداث قنوات رقابية غير قانونية ونرفض أي محاولة لاعتماد معايير رقابية غير مهنية على النتاجات الإبداعية من كتب وأفلام ومصنفات فنية

“وعد بلفور” … الحلقة الأولى من مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني على العرب

الصراع مع الكيان الصهيوني ليس صراعاً مع الفلسطينيين وحدهم بوصفهم الضحية الأولى للاحتلال، وإنما هو صراع وجودي مع شعوب الأمة العربية وقواها التحررية كافة وفي مقدمتها الشعب العربي الفلسطيني وقوى المقاومة، فالمشروع الصهيوني يستهدفنا جميعاً.