في خضم الموجات المتسارعة لتطبيع بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومحوها من وجدان الشعوب العربية، جاء أبطال المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى، مسطّرين فيها أعلى مراتب الشجاعة والثبات في وجه عدوان همجي سافر ضد السكان المدنيين العزل في غزة.
ما قبل السابع من أكتوبر 2023 ليس كما بعده، فقد شهدت المنطقة تطورات إقليمية أثرت على الشارع العربي بصفة عامة، والشارع المصري بصفة خاصة، كون جمهورية مصر العربية تجاور قطاع غزة مسرح العمليات العسكرية الحالية، وأيضاً لكونها تشرف على معبر رفح، شريان الحياة الوحيد لسكان القطاع.
ومع تهديدات الكيان الصهيوني بشن هجومه البري على مدينة رفح والتي يسكنها حالياً أكثر من مليون نازح، نجد أن مصر هنا أمام تحديات كبيرة لمنع هذا الهجوم، الذي قد ينتج عنه نزوح أعداد كبيرة جداً من سكان مدينة رفح الحدودية إلى الأراضي المصرية.
هنا، يسعدنا في منصة “تقدُّم“، أن نحاور الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، الناشط السياسي المصري الكبير، الأستاذ حمدين صباحي، ليحدثنا عن آخر الأحداث التي يشهدها عالمنا العربي، وعن دور قوى اليسار العربي والقومية العربية في ظل التطورات الراهنة في المنطقة.
حاورته الزميلة هلا عبد الله
كيف تقرأون عملية طوفان الأقصى البطولية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر العام الماضي ضمن السياق التاريخي لمقاومة العدو الصهيوني؟
حمدين صباحي: إنَّ طوفان الأقصى في سياق صراعنا العربي- الصهيوني هو ذروة نضال طويل امتد لما يقارب القرن، وهو لحظة تحول كيفي بعد تراكم طويل في هذا الصراع بين الأمة والعدو الصهيوني. وتكمن أهمية طوفان الأقصى في أنه أثبت إمكانية تحرير فلسطين وخلخل بنية الكيان الصهيوني في الطريق إلى تحلله، وأثبت قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته على قتال شجاع ضارب في العمق، وصمود أسطوري قادر على أن يتحمل أكثر الأثمان كلفة بصبر وكبرياء؛ ثم أنه أظهر درجة التعاطف والتأييد الإنساني في بقاع واسعة من الأرض للحق الفلسطيني.
طوفان الأقصى هو يوم الزلزلة للمشروع الصهيوني، لم تكن الزلزلة الأولى سبقها أيضاً 6 أكتوبر، منذ نصف قرن، العام 1973، ولكن زلزلة 7 أكتوبر كانت أكثر تأثيراً على النظام الصهيوني، وأقول إنها تركت شروخاً عميقة في بنية المشروع الصهيوني يصعب جبرها، طوفان الأقصى زلزل الأساس الذي قام عليه المشروع الصهيوني، وهو ما أسميه عقد الأمان ما بين رعاة وقيادات المشروع الصهيوني وما بين المستجلبين من كافة أقطار الأرض من يهود العالم الذين أتوا إلى ما يصوره وهمهم أو عقيدتهم أنه أرض الميعاد، الشرط الرئيسي في هذا العقد هو الأمان تأتي إلى أرض الميعاد تحصل على حياة راغدة آمنة لا يمسك فيها نَصَبٌ ولا لغوب. طوفان الأقصى فسخ هذا العقد وهو أثر لا يمكن أن يزول مهما بلغت وحشية جيش الاحتلال التي نشهدها في غزة، لأنه خلخل هذه العلاقة أو فسخ هذا العقد، ومن آثاره العظيمة، أيضاً، أن وظيفة هذا المشروع الصهيوني، باعتباره قاعدة متقدمة للاستعمار العالمي مهمتها أن تفرض التبعية والتجزئة على الوطن العربي، وأن تبقيه في وضعية استلحاق في المراكز الغربية الاستعمارية، وهو ما تبلور في السنوات الأخيرة في مشروع شرق أوسطي تتولى فيه “إسرائيل” وكيلاً عن المركز الاستعماري الأميركي قيادة مشروع أمني سياسي للمنطقة، وكانت على وشك أن تقطف ثمرتها الكبرى بمشروع التطبيع مع بعض الدول العربية، جوهر هذا المشروع، لهذا النظام هو قيادة “إسرائيل” له باعتبارها الحامي أو عنصر الأمان، ولكن الضربة القاصمة التي وجهت لنظرية الأمن “الإسرائيلي” وعرّت أن هذا الجيش قابل أن يهزم على أيدي المقاومة، خلخلت هذه الصورة وطعنت، جدياً، في قدرة “إسرائيل” على القيام بهذا الدور أو أداء هذه الوظيفة حسب هذا التصور. ومن ثمَّ فقد أوقفت، إلى وقت غير قصير، مثل هذا المشروع، وأعتقد أن كل أطرافه، بما فيها العربية، أو بالذات الأطراف العربية، تعيد الحسابات الآن.
طوفان الأقصى زلزل الأساس الذي قام عليه المشروع الصهيوني، وهو ما أسميه عقد الأمان ما بين رعاة وقيادات المشروع الصهيوني وما بين المستجلبين من كافة أقطار الأرض من يهود العالم الذين أتوا إلى ما يصوره وهمهم أو عقيدتهم أنه أرض الميعاد
بشكل عام أعتقد أن فصائل المقاومة وفي مقدمتها القسام، والصمود المبهر لنساء ورجال وأطفال غزة، قد وضع القضية الفلسطينية من جديد على الطريق الصحيح، وهو طريق تحرير فلسطين، بما يعنيه كل هذا من تطور في أوضاع المواجهة مع العدو الصهيوني لا يحتاج فقط إلى القتال بالمعنى العسكري المباشر، وإنما يحتاج إلى استحضار مجمل عناصر القوة في الطرف النقيض للمشروع الصهيوني، وهو الطرف العربي، المقاومة والشعب والعمق العربي والإنساني الذي تجلى في طوفان الأقصى باعتبار أن قضية فلسطين هي قضية حق تقرير مصير ومقاومة مشروعة للاحتلال، وأن المقاومة والشعب الفلسطيني هم حركة تحرر وطني ينبغي أن تنال ما دفعت ضريبته الباهظة طوال ثلاثة أرباع قرن، وخصوصاً في مئتي يوم من قتال وصمود عظيم في غزة.
ما التأثير الذي أحدثته العملية التاريخية على مسار القضية الفلسطينية وشعوب الأمة العربية والعالم، وبالتحديد ما تأثيرها على الشارع المصري الذي عبّر بمختلف الوسائل، رغم القيود المفروضة، عن موقفه الداعم للفلسطينيين وطالب بفتح معبر رفح لكسر الحصار عن غزة؟
حمدين صباحي: إنَّ لطوفان الأقصى تأثيره الهائل على مستويات عديدة، أولاً لقد وضع قضية تحرير فلسطين على جدول أعمال، ليس فقط الشعب الفلسطيني وأمته العربية، وإنما أيضاً الضمير العالمي وأعطى جرعة ثقة هائلة للمقاومة وللشعب الفلسطيني في نفسه، وثقة هائلة من الأمة العربية في كل أقطارها وكل من يحب فلسطين، وأصحاب الضمائر في العالم، في قدرة هذا الشعب على أن ينهض بعبء تحرير أرضه. فقبل 7 أكتوبر كانت الفصول المتعددة في الصراع الطويل، في مجملها، أقرب إلى الدفاع ضد توسع “إسرائيلي” مستمر بحكم البنية التوسعية العدوانية لهذا الكيان، أو استعادة لبعض ما حازه من أرض عربية في توسعه المحموم الدائم مثل حرب أكتوبر 73، هذه المرة الأولى التي يكون فيها الاشتباك العسكري في أرض فلسطين التاريخية 48 وبمبادرة فلسطينية من المقاومة، بمعنى أن طوفان الأقصى هو بداية حرب تحرير شعبية أو حرب تحرير لفلسطين المحتلة، دلالتها والبرهان عليها بالجغرافيا وبالأداء وبنمط الاشتباك، ومن تأثيره الثقة بالنفس التي لها، أيضاً، تأثيرها في ايقاظ الضمير العربي والوعي العربي، لأن الأمة العربية هي صاحبة هذه القضية ومع هذا فقد بقى لها 40 عاماً، منذ أن وقع اتفاق كامب ديفيد وهي تعيش في حالة من المراوحة بين سلام مستحيل وحرب لا يمكن شنها بسبب توقيع السلطة في مصر على اتفاق كامب ديفيد وتبعها الأردن في وادي عربة ثم السلطة الفلسطينية في أوسلو قبل أن تأتي موجة التطبيع مع بعض الدول العربية مؤخراً. هذه الأمة نبتت فيها أجيال عبر أربعة عقود لم تعاين ولم تعاصر حروبنا في 1948 و 1956 و1973، والاحتلال الصهيوني لبيروت العاصمة العربية ومواجهات المقاومة اللبنانية. أي تمَّ مع طوفان الأقصى إعادة استحضار المعنى الحقيقي للصراع العربي – الصهيوني، إعادة رؤية الشعب الفلسطيني كصاحب حق، إعادة رؤية إسرائيل كعدو متوحش، إعادة الاعتبار لقيمة المقاومة وانكشاف عمق المشاعر الحقيقية لكل عربي التي هي بتأثير التاريخ والإرث معادية عداء محكماً لهذه الظاهرة الاستعمارية العنصرية الصهيونية.
اتفاقية كامب ديفيد نهشت تاريخ مصر وقيمتها المعنوية في أمتها العربية
أعتقد أنه من أعظم نتائج طوفان الأقصى أن الأمة العربية كسبت أجيالاً جديدة من أبنائها انتموا الآن بالوعي والقلب والمشاعر والحركة إلى قضيتهم الرئيسية قضية تحرير فلسطين، وهذا أمر لم يكن حاضراً بهذه الدرجة قبل طوفان الأقصى، ومن الظواهر التي تثير الإعجاب وتبعث على الطمأنينة أن حركة المقاطعة الواسعة في أقطار عربية عدة، بمشاهداتي الشخصية هنا في مصر، يقودها الأطفال والشباب ويحرصون عليها أكثر من أجيال سبقتهم، فأحفادي على سبيل المثال، مثل كثيرين وكثيرات من نفس السن، يتولون الإشراف على كل شيء يدخل إلى البيت من أي متجر لمراجعته والتأكد من أن هذه البضائع ليست موجودة في قوائم المقاطعة، هم الذين بادروا بأن يقاطعوا أكثر ما كانوا يشتهونه واعتادوا على استهلاكه من محلات المأكولات، أو من أنواع من المشروبات التي أدرجت في قوائم المقاطعة، وهذا أمر عظيم أن أجيالاً جديدة نكسبها الآن. ومن التأثيرات المبهرة، أيضاً، لطوفان الأقصى هذا الحضور الرائع لفلسطين في الضمير الإنساني في عواصم ومدن العالم في كل قاراته، بما فيها عقر دار الراعي الرسمي الإمبريالي الأميركي للكيان الصهيوني، ودول الغرب المتحالفة معه. الضمير الإنساني يصحو باسم فلسطين وربما يعود الفضل هنا للصمود الأسطوري لشعب غزة، هذه القدرة على البذل والتضحية وتحمل الخسارة إيماناً بقضية لا شك أنها أذهلت العالم وأثارت احترامه وتعاطفه وأيقظت ضميره، ومن هنا شهدنا هذا الوقوف ضد الإبادة الجماعية وهذا الدور الذي لعبه المتظاهرون في كل أنحاء العالم، وهذه التحركات الجادة من دول مثل جنوب أفريقيا بتقديم الكيان الصهيوني للمحاكمة، ومن دول في أميركا اللاتينية لقطع علاقتها به، وفي دول أوروبية تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين، هذا تأثير واسع وغير مسبوق في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني، أن تكون فلسطين حاضرة كقضية إنسانية. وقد أقول إن كل الذين يعانون ظلماً على تنوع أسبابه في العالم يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني، غزة الآن هي رمز لكل الذين يبحثون عن عدل مفقود أو يقاومون ضراوة الظلم أياً كانت قضيتهم. لقد أصبحت غزة رمزاً للمضطهدين وللمنكسرين وللمحاصرين من شعوب العالم الذين يبحثون عن العدل وحقهم في الحياة وفي الحرية، وهذا أثر آخر عظيم. وأيضاً لطوفان الأقصى أثره في الوطن العربي بأنه كشف الهوة الكبيرة ما بين الشعب بمشاعره العميقة مع فلسطين وبعض الأنظمة العربية المتخاذلة عن نصرة غزة وعن الانتصار لها وعن الوقوف معها وعن رفع الحصار عليها وعن إدخال حتى شربة ماء إليها. رغم أن القرار الوحيد ذا القيمة الذي اتخذته القمة العربية – الإسلامية كان فك الحصار عن غزة لكنها لم تتمكن من أن تدافع عن قرارها، هذا الفرق الهائل ما بين مشاعر الشعب العربي مع فلسطين وعجز أو تواطؤ بعض الأنظمة العربية عن نصرة فلسطين وإغاثة غزة هو أيضاً خلق مشاعر سيكون لها أثرها في المستقبل. والحق أن هذه الهوة التي تتعمق ما بين القاعدة والقمة ليست فقط في وطننا العربي، بل أيضاً في النظام الدولي كله، مشاعر مع فلسطين، ولكن المنظمة الدولية التي يفترض أن تدير شؤون الحرب والسلام والقرار الدولي، أي الأمم المتحدة، عاجزة عن اتخاذ أي موقف جاد يعبر عن مشاعر شعوب الأرض في مواجهة جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة على مرأى العالم.
من الظواهر التي تثير الإعجاب وتبعث على الطمأنينة أن حركة المقاطعة الواسعة في أقطار عربية عدة، يقودها الأطفال والشباب ويحرصون عليها أكثر من أجيال سبقتهم.
أما عن مصر فهناك تأثير مزدوج، هناك حضور عظيم، ليس بجديد، للشعور الشعبي الصلب القاطع ضد إسرائيل ومع فلسطين، لأن كامب ديفيد لم ينجح أبداً، رغم مرور 40 عاماً من العمل الدؤوب الذي انفق عليه المليارات، لتغيير الوجدان العربي، لم ينجح في مصر ولا في أي قطر عربي، ولكن اتفاقية كامب ديفيد بعد 40 عاماً لا زالت محاصرة كتوقيع رسمي على الاتفاق ولم تتمكن من دخول قلوب وعقول الشعب المصري، دخلت جيوب بعض الرأسماليين الذين تعاملوا مع الكيان الصهيوني، هذا الحضور الشعبي الطاغي تأييداً لغزة ولفلسطين في مصر وفي كل الوطن العربي لم يتمكن من التعبير عن نفسه بفعاليات شعبية تليق أو تقترب من هذه المشاعر، والسبب هو أن الحركة الشعبية في مصر منذ سنين عشر وحتى قبلها مقيدة ومحكومة باعتبارات أمنية تخشى من أن يتم الخلط ما بين تأييد غزة والإعراب عن الموقف من النظام بسبب قضايا الفقر والغلاء التي تواجهها مصر في أزمتها الاقتصادية العميقة منذ عشر سنوات، وربما هذا أدّى بأن الذين خرجوا ليقولوا فلسطين عربية قبض عليهم وبعضهم لا زال حتى اليوم، بعد ستة أشهر، يواجه السجن، وما حدث في مصر حدث في أقطار عربية أخرى، لكن الشعب المصري تاريخه مع غزة تحديداً، ومع كل فلسطين، تاريخ يرى بأن غزة بقدر ما هي فلسطينية هي مصرية ويشعر بمسؤولية، وهذه مسؤولية حقيقية وهو الآن يعجز عن أن يؤدي واجبه في نصرة غزة وهذا يراكم الشعور الشعبي الواسع بالتقصير سيكون له أثره أيضاً في ما بعد. وبالطبع فإن مطلب فتح معبر رفح هو المطلب الشعبي الرئيسي للحركة الشعبية في مصر وللشعب المصري، ولكن المعبر في واقع الأمر لم تغلقه السلطات المصرية في أي لحظة ولم يسمح جيش الاحتلال بأن تتدفق المساعدات التي تدخل من الجانب المصري المفتوح أن تصل إلى غزة لأن ما يعبر من معبر رفح يُسمح بمروره بإرادة إسرائيلية لأنه يذهب إلى معبر كرم أبو سالم ليخضع لتفتيش إسرائيلي. أن تكون لـ “إسرائيل” الكلمة العليا في ما يدخل أو لا يدخل هذا ما طالبت الحركة الوطنية، مراراً، بأن تعلن السلطة في مصر أنها لا يمكن أن تقبله وأن تحميه ولو بالقوة، وهذا لم يتحقق حتى الآن. موقف مصر بالتأكيد، شعبياً، محل احترام في مستوى المشاعر، وأقل ممَّا يليق بمصر في مستوى الفاعلية والحركة الشعبية وهذا يُفضي، بالضرورة، إلى واجب نقد ذاتي من كل النخب المصرية وأنا أتحدث باعتباري واحداً منها فضلاً عن كوني الأمين العام للمؤتمر القومي العربي. نقد ذاتي ضروري أن تقوم به نخبنا العربية في كل الوطن العربي وأخص النخب في مصر التي لم تتمكن في أن تَعبر المسافة ما بين المشاعر العميقة لتأييد فلسطين والأداء الشعبي المتواضع الذي لا يرقى إلى التعبير عن موقف شعبنا في مصر.
برأيك أستاذ حمدين صباحي إلى أين تتجه التطورات في المنطقة في ظل استمرار العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزة، ومع تصاعد الاشتباك من عدة جبهات وآخرها الضربة الإيرانية، وما تأثير ذلك على مصر بالذات كونها دولة مجاورة لفلسطين وعلى خط النار، وماذا عن معاهدة كامب ديفيد وكيفية إسقاطها؟
حمدين صباحي: تتجه التطورات لمزيد من تهيؤ الأرض في الصراع العربي – الصهيوني لأن يكون بداية تحرير فلسطين وله ما يكمله، فمن ناحية هناك استعصاء، وإنْ لم أقل استحالة، أن يتمكن العدو الصهيوني من إلغاء الآثار الوخيمة للهزيمة التي لحقت به يوم 7 أكتوبر، ولا إلغاء النصر الذي حصلت عليه المقاومة في هذا اليوم، لم يعد هذا قابلاً للإلغاء، دخل التاريخ بكل آثاره ومعانيه وتأثيره النفسي، وتأثيره على سير الصراع في المرحلة القادمة، لا العدو مستعد أن يوقف النار مالم يحقق ما يصفه نتنياهو بالنصر المطلق، وهو لم يحقق أيَّ نصر من أي نوع، لا مطلق ولا نسبي، وليس الوضع في الكيان الصهيوني بوارد أن يسلّم للمقاومة بنصرها، ولا بقادر على أن يهزم المقاومة بعد أن انتصرت، وهذا يؤذن بمزيد من الصراع وعنفه حتى ولو تخللته هدن ما.
إنّ إمكانية الوصول لتسوية غير ممكنة، فلا يمكن أن تسلّم المقاومة بشروط العدو الصهيوني ولا يمكن أن تسلّم إدارة الكيان الصهيوني بحقوق ومطالب المقاومة، ولا يمكن للوسيط الأميركي أن يكون نزيها، لأن واقع الأمر أن أميركا شريك حقيقي في العدوان على الشعب الفلسطيني، أيّاً ما كانت التفاصيل التي تحاول بها أن تنفي هذه الصورة أو أن تغسل عار مشاركتها أو دعمها لجريمة الإبادة الجماعية.
لقد أثبت “محور المقاومة” في هذه الجولة درجة واضحة من الحضور والمقاومة وطول النفس والقدرة على تنسيق المواقف، ودخول إيران، بردّها على استهداف العدو لقنصليتها في دمشق بقصف مواقع عسكرية في الكيان الصهيوني، بالغ التأثير على المستوى المعنوي والاستراتيجي، وإنْ كان قليل الحصاد على المستوى المادي، أحدث تحوّلاً إضافياً يجعل من قضية تحرير فلسطين تجد سنداً في دولة لها قوتها، ولا يتوقف العاملون عليها عند حدود القوى المقاوِمة من فصائل أو القوى الشعبية الداعمة لها.
إنَّ التوازن الدولي الذي يمر بمرحلة التحول بحثاً عن تعددية قطبية في ظل ما يعانيه القطب الأميركي من وهن ومن تحديات في أوكرانيا وهنا، وفي تفوق الصين وفي غير مكان في أفريقيا، كل هذا يؤشر على مرحلة من التحول، أعتقد أن إجمالي ما يمكن أن تشهده يمكن أن يصب لصالح نضالنا العربي في فلسطين وفي غيرها من القضايا إذا توفر الحد الأدنى من وضوح وصلابة الرؤية والموقف الفلسطيني والعربي والحد الأدنى من وحدته.
ومن هنا، أظن بأننا لسنا بصدد أي مراحل هادئة على مستوى الاشتباك، أتوقع دخولاً برياً إلى رفح سيشعل المواجهة أكثر، وسيضع مصر على وجه التحديد في موقف بالغ الحرج، كان الموقف الرسمي المصري إنه ضد التهجير القسري لإخواننا في فلسطين وهو موقف أعلنته السلطة وأيده الشعب وكل المعارضة، وإذا حدث الاجتياح فإنه سيكون بمثابة خرق فاضح من الجانب الإسرائيلي لاتفاقية كامب ديفيد التي نرفضها، لكن انتهاكها سيضع السلطة في مصر أمام موقف صعب، فلا هي تستطيع أن تسكت على تهجير قسري أعلنت موقفها ضده، ولا على اختراق لمعاهدة تلزم العدو بألّا يدخل في هذا الحيز الذي يتضمن ممر صلاح الدين – فيلادلفيا، وأعتقد بأننا سنكون أمام سيناريوهات مفتوحة على احتمالات عدة من بينها، إنْ لم أقل قتالاً، فعلى الأقل تناوشاً ما بين الجيش المصري وجيش الاحتلال.
بما أن الاحتمالات تصل إلى هذه الدرجة، فإن السؤال عن كامب ديفيد تكون إجابته بأن اتفاقية كامب ديفيد التي وُئدت يوم وُقّعت – أو يوم وُلدت- وُئدت شعبياً وبقت تعيش الآن في قصور الحكم ومستنداته وعلاقاته فقط، وهي مهددة بأن تموت رسمياً أيضاً.
وأعتقد بأن تحرر مصر من كامب ديفيد هو ضرورة ليس فقط من أجل القضية الفلسطينية، ولكن هو ضرورة من أجل استقلال مصر، لأن القيد الأكبر الذي وُضع على الإرادة المصرية كان كامب ديفيد، وهو ليس قيداً على أن تشارك في حرب، هو قيد على أن تشارك بالدور سياسياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، اتفاقية كامب ديفيد نهشت تاريخ مصر وقيمتها المعنوية في أمتها العربية، وأدّت إلى تجريف دورها في قيادة أمتها وفي دورها في قارتها وفي دورها في الإقليم وفي العالم، كامب ديفيد قيد على إرادة مصر وعلى إمكانيتها للتقدم، وحتى على قدرتها على توفير لقمة عيش كريمة لأبنائها، وهذا حديث فيه تفصيل، لكن أعتقد بأن مطلب القوى الوطنية الدائم بإسقاط كامب ديفيد يجد الآن مناخاً مهيأً لإمكانية هذا الإسقاط في تطور هذا الصراع في مراحله القادمة.
في ظل العدوانية الصهيونية والمشروع الإمبريالي الذي يستهدف منطقتنا، وتصفية القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية، ما هو دور قوى اليسار والقومية ومسؤوليتها في هذه المرحلة لمواجهة الصهيو – امبريالية؟ وما هو موقعها المفروض كقوى تحرر ومقاومة في هذه المعركة؟
حمدين صباحي: على القوى القومية العربية وقوى اليسار العربي واجب عظيم الشأن، فإذا كنا نقول إن طوفان الأقصى فتح الباب لتحرير فلسطين وأن الصراع سيشتد وأن الفرز في ضوء اشتعال هذه الجولة المديدة من الصراع، الفرز ما بين الذين يقفون مع الأمة وحقوقها وأولها حقها في تحرير فلسطين، كامل فلسطين، وبين أعداء هذه الأمة، الكيان الصهيوني وحماته وعلى رأسهم الإدارة الأميركية، فإن هذا يفتح الباب واسعاً أمام القوى القومية العربية وقوى اليسار العربي لكي تكون نفسها لتلتصق مع مبادئها مع ثوابتها، وأظن أن كل قومي عربي وكل يساري عربي أيضاً ينطلق من رؤية ومن مشروع. وبالنسبة للقوميين فإن هذا المشروع للنهوض العربي هو أيضاً بملامح وإنْ تغيرت في الأوزان، هو مشروع اليسار العربي هو مشروع الأمة العربية في واقع الأمر، هو المشروع الذي يجمع ما بين أهداف واضحة متضافرة يعزز بعضها بعضاً لنهوض عربي شامل يتحقق به أولاً الاستقلال الوطني وفي قلب الاستقلال الوطني والقومي تحرير فلسطين، والعدل الاجتماعي والتنمية المستقلة والديمقراطية وصون حقوق الإنسان والوحدة العربية والتجدد الحضاري. مثل هذا المشروع لا يمكن بناؤه دون إعطاء الوزن المركزي لقضية تحرير فلسطين في قلب قضية الاستقلال الوطني والقومي للأمة العربية بكل أقطارها وهذا يملي جدول أعمال واضح على كل القوميين واليسار وكل القوى المحبة للعدل والحرية على الأرض العربية وفي قلب هذا لا أقول دعم المقاومة بل أقول إن كل قومي حقيقي وكل يساري حقيقي هو شريك في المقاومة وليس مجرد داعم، بحسبان أن المقاومة ليست فقط حمل السلاح وخوض القتال هذا رأس السهم، المقاومة هي رؤية هي انتماء هي انحياز هي استجابة للفرز مع الأمة وحقوقها المشروعة وبهذا المعنى فإن مدى المقاومة مفتوح بدءاً من بناء الوعي وتمكين ثقافة المقاومة والحركة الشعبية والعمل في الثقافة والاقتصاد، والعمل السياسي، وبالأخص في ما يتعلق بحق الجماهير العربية بتنظيم نفسها باستقلال وفي التعبير عن اختيار حكوماتها بنزاهة ومحاسبتها. لأن أظن أن طوفان الأقصى قد تكشف في ضوئه الحقائق المعروفة من قبل، ما الذي منعنا من أن يمتد نصر طوفان الاقصى ليستقر لا لأن يهدد بالاجتياح الصهيوني المعاكس؟ لأن هذه الأمة خذلت المقاومة الفلسطينية وشعبنا الصامد صموداً عظيماً أسطورياً في غزة، ولماذا اضطرت الأمة للخذلان رغم قلبها السليم؟ لأن بعض أنظمتها الرسمية لم تشأ أن تكون في مستوى موقفها الشعبي المعلن الواضح. إذا قلنا لماذا كانت الأمة وما زالت وهي في هذه اللحظة أحوج ما تكون إليه لتحمي غزة وتوقف العدوان وتوقف الحصار وتجعل طوفان الأقصى نقطة تقدم في اتجاه تحرير فلسطين، كما هو حالها الحقيقي، لماذا لم تفعل ذلك لأننا افتقدنا أهم ثلاثة مرتكزات: افتقدنا وحدة الموقف العربي، وافتقدنا الديمقراطية، وافتقدنا الاستقلال. لو أن هذه الأمة فيها الحد الأدنى من الديمقراطية ما تجرأت بعض الأنظمة العربية أن تتخلف عن مطلب الجماهير في أن تقف مع فلسطين أو أن تقمع مظاهرة تهتف فلسطين عربية، لو كان لدينا الحد الأدنى من الاستقلال لما أملت القوى الكبرى المهيمنة، وأولها أميركا، المواقف على بعض الأنظمة العربية، لو كان لدينا الحد الأدنى من وحدة الموقف العربي وليس حتى الوحدة العربية لما عجزنا عن أن نغيث غزة وأن ندخل لها على الأقل الماء والطعام والدواء. في ظل هذه الحقائق الماثلة أمامنا فإن القوى القومية العربية وحركة اليسار العربي ينبغي أن تدرك أنها جزء من جبهة مقاومة شعبية واسعة في طليعتها فصائل المقاومة المسلحة، وأن تستعيد مفهوم حرب التحرير الشعبية وأقول إن ما يجري الآن هو تقدم على طريق تحرير فلسطين ليس عن طريق جيوش نظامية وإنما عن طريق قوى تحرر وطني مسلح، وأن تعي هذه القوى أن عليها أن تسعى لوحدتها، وأن تدرك خلافاتها وتُحسن إدارتها وأن تقف على أرض المشترك وليس من قيمة أكبر تجمع كل هذه القوى أكثر من هدف تحرير فلسطين والتخلص من الاستعمار الاستيطاني الإحلالي العنصري العدواني الصهيوني الذي تمثله إسرائيل كقاعدة متقدمة للاستعمار في العالم.
اليساريون والقوميون العرب شركاء في المقاومة
وفي هذا السياق أعتبر أن كل نضال من أجل التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وإحقاق حق كل مواطن عربي في نصيب عادل من ثروته يقربنا من تحرير فلسطين، كل نضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المواطن العربي في كل أقطار أمتنا العربية من حرياته مكتملة يقربنا من تحرير فلسطين، كل نضال من أجل فك روابط التبعية والانعتاق من الهيمنة لقوى المركز الغربي وأولها أميركا يقربنا من تحرير فلسطين، كل جهد في هذا الصدد يبذله التيار القومي أو قوى اليسار على تنوعها وتعدد تشكيلاتها هو تيار بنّاء. وفي هذا الصدد فإن على القوى القومية وقوى اليسار أن تدرك أن المحاولة الأميركية – الصهيونية التي آذن طوفان الأقصى بأن تفشل، لكنها تستعيد بعد الرد الإيراني بعضاً من دعاتها وأصواتها التي كانت قد غابت، وهي المحاولة الخبيثة المكشوفة لإحلال صراع ثانوي أكثره مفتعل بين العرب وإيران، وداخل الأمة لإحلال صراع طائفي محل الصراع أو التناقض الرئيسي الحقيقي، وهو التناقض ما بين الأمة كلها وما بين المشروع الصهيوني. محاولة تقسيم أمتنا وضرب الوحدة الوطنية في كل قطر عربي واستخدام الطائفية كسلاح ضمن أسلحة أخرى لهذا المشروع للتفكيك، ينبغي أن تواجهه قوى التيار القومي وقوى اليسار بجدية وحسم ووعي وأن تحبطه، لأن مستقبل هذا الحيز الرئيسي في قلب العالم، هذه المنطقة الحضارية في قلب العالم لا يمكن أن يتحقق وأن تلعب دورها في نهوض إنساني وفي سلام عالمي قائم على العدل دون أن يمتلك العرب مشروعهم الواضح للتعبير عنهم كأمة لها حقوق قادرة على النهوض.
دور اليسار الآن ودور القوى القومية العربية أن تَجهر برؤيتها وموقفها وتنظم صفوفها وتبحث عن وحدتها وأن تكون الحاضن الشعبي الرئيسي للمقاومة بكل فصائلها في كل الأقطار وأولها في فلسطين، تحميها وتمدها وتغذيها وتقويها وتحفظ نصرها وتدعمها في الميدان وتدعمها أيضاً لكي تحميها من مكائد السياسة ومكائد التفاوض التي تحاول أن تأخذ في الغرف المغلقة ما لم تأخذه في ميادين الفداء الفلسطيني العظيم كما شهدنا في غزة.
لمن يمتلك معرفة، ولو محدودة، لواقع أندية كرة القدم ومشجعيهم الصهاينة، لكان لن يُفاجأ بما فعله مشجعو (مكابي تل أبيب) في أمستردام، بالعكس، لفوجئ كيف يمكن للسلطات الهولندية أن تسمح للآلاف من هؤلاء بالدخول لهولندا، وهم المعروفون بسلوكهم الغوغائي والعنصري والهمجي.
تتغنى الولايات المتحدة الأميركية بنظامها “الديمقراطي” وحرية الانتخابات فيها، والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان فأين تلك الادعاءات والولايات المتحدة الأميركية حامية للاحتلال الصهيوني ومشاركة في حربه العدوانية على قطاع غزة ولبنان.
صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .
تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.