المنسق العام للقاء اليساري العربي د. سمير دياب في حوار خاص مع «تقدُّم»

أحدثت عملية السابع من أكتوبر البطولية نقلة نوعية في مقاومة العدو الصهيوني وأعادت للقضية الفلسطينية وهجها، وما تزال المقاومة الباسلة في قطاع غزة، منذ أكثر من عام، تسطر ملاحم بطولية في مواجهة العدوان الصهيوني – الأميركي الإمبريالي، خاضت إلى جانبها المقاومة اللبنانية معركة إسناد، فالعدو واحد والمعركة واحدة، وعمد العدو الصهيوني منذ شهر سبتمبر الماضي إلى توسيع عدوانه الإجرامي ليشمل لبنان بمحافظاته ومناطقه كافة بما في ذلك العاصمة بيروت. وبدأ في شهر أكتوبر الماضي عملية عدوانية برية في جنوبي لبنان، محاولاً بكل قوته التقدم إلى قرى حدودية لبنانية لفرض شروطه، واجهته المقاومة اللبنانية بمعارك بطولية ومنعت العدو من الثبات في أي بقعة من الأراضي اللبنانية وفرض شروطه إلى أن تمَّ الإعلان عن “وقف “إطلاق النار” في 27 نوفمبر الماضي.

حول أهداف العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة المقاوِم الصامد، ولبنان، وارتباطه بالمشروع الصهيوني- الأميركي الإمبريالي لتصفية القضية المركزية، فلسطين، وتفتيت منطقتنا العربية، ودور اليسار العربي في مقاومة الاحتلال ومواجهة المشروع الإمبريالي التوسعي التفتيتي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية كان هذا الحوار السياسي الشامل مع المنسق العام للقاء اليساري العربي د. سمير دياب.   

حاورته: هلا عبد الله  

عام ونيّف على عملية السابع من أكتوبر البطولية، د. سمير دياب كيف تقرأون كيسار عربي العملية واستمرارها في مقاومة العدوان الصهيوني – الأميركي؟ 

سمير دياب: يعتبر اللقاء اليساري العربي أن القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، ومعني بالنضال والمقاومة بكل الأشكال لمواجهة خطر المشروع الاستعماري الإمبريالي – الصهيوني الهادف إلى تصفية القضية وشطب حقوق الشعب الفلسطيني وتهجيره، ضمن، مشروع “شرق أوسط جديد” يعيد ترتيب خارطة المنطقة والسيطرة عليها ونهب ثرواتها. 

ولأن المقاومة واجب وطني وحق مشروع، فإن عملية “طوفان الأقصى” النوعية للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر عام 2023 ضد المحتل الصهيوني، هي امتداد لتاريخ كفاح ونضال وصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني والعربي منذ نكبة فلسطين، يقوم هذا التاريخ على رهان وحيد، لا جدوى بغيره لإنهاء الاحتلال واستعادة فلسطين التاريخية والحقوق الوطنية المشروعة كاملة للشعب الفلسطيني، وهو يتجسد في المقاومة الوطنية الفلسطينية والعربية وفق مشروع ثوري لحركة التحرر الوطني العربية. وهو مشروع سياسي واقتصادي وثقافي مضاد لإمبريالية التهويد و”عروبة” التطبيع والتبعية والتنديد. وهو السلاح الفعَّال لإنجاز التحرير من رجس المحتل وضمان حق العودة وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس.  

إنَّ ما قدمه ويقدمه الشعب الفلسطيني بثباته وصموده ومقاومته، وباللحم الحي، من ملاحم بطولية أدهش العالم، وأغنى تاريخ نضال الشعوب. فالمقاومة في غزة ليست جيشاً نظامياً مدججاً بالأسلحة والأوسمة، بل، هي مقاومة شعبية مؤمنة بقضيتها وهويتها وثقافتها، ومتشبثة بأرضها وجذورها، وسلاحها البسيط لمواجهة أعتى عدوان وحشي صهيوني وأميركي وأطلسي مدجج بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا المدمرة. لكن، هذا الشعب العظيم بسلاحه البسيط استطاع أن يصمد ويقاوم لأكثر من 14 شهراً، وبنفس القوة والعناد والصلابة، بالرغم من وحشية العدوان وتكاليف آلة القتل والإبادة الجماعية والدمار والتطهير العرقي والتهجير. 

المقاومة في غزة ليست جيشاً نظامياً مدججاً بالأسلحة والأوسمة، بل، هي مقاومة شعبية مؤمنة بقضيتها وهويتها وثقافتها، ومتشبثة بأرضها وجذورها، وسلاحها البسيط لمواجهة أعتى عدوان وحشي صهيوني وأميركي وأطلسي مدجج بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا المدمرة.

هذا التاريخ في غزة، يُكتب بدماء الأطفال والنساء والشيوخ. ويُعلم العالم أجمع معاني الصمود والمقاومة، ويضع قوى اليسار والتحرر في العالم، وفي مقدمها اليسار العربي أمام تحديات ومسؤوليات مصيرية لتدعيم   هذا الصمود وتعزيز إطار المقاومة الوطنية العربية الشاملة، كقاعدة لمشروع حركة التحرر الوطني العربية.  وهذا هو، أهمية دور اليسار في خلق بديل ثوري جذري شامل. 

ما هي برأيكم أبرز التحولات التي أحدثتها عملية السابع من أكتوبر على الصعيد الفلسطيني الداخلي والعربي والعالمي. وما هي برأيكم الضربة التي وجهتها إلى داخل الكيان الصهيوني؟

سمير دياب: لقد أحدثت عملية السابع من أكتوبر 2023 البطولية للمقاومة الفلسطينية تحولات مفصلية في المعادلات الداخلية والعربية والعالمية أبرزها: 

  • اختراق كمي ونوعي غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية لدفاعات المحتل داخل الغلاف، والسيطرة على قواعد العدو ومعسكراته والثبات في مواقعها والاشتباك المباشر لمدة من الزمن، والعودة بمئات الأسرى.
  • عنصر المفاجأة أحدث صدمة كبيرة شلت قدرات العدو وأفقدته توازنه وأحدثت اختلالاً كبيراً في بنيته وتركيبته على كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والنفسية.  
  • كسر نظرية “الجيش الذي لا يقهر”، من حيث أنه يشكِّل قوة عسكرية متقدمة ورادعة للمشروع الاستعماري الإمبريالي الأميركي في المنطقة، وضمانة لأمن واستقرار الرجعية العربية وأنظمة التطبيع الخيانية.  
  • العملية النوعية البطولية، والاستمرار في الصمود والمقاومة دفعت بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة، وفعلت حضورها على المستوى الدولي، كما فعًلت التضامن الشعبي الأممي معها. 
  • تزايد عزلة “اسرائيل” الدولية على المستويات كافة، وتصنيفها “دولة” إرهابية وعنصرية، تقوم مقام النازية الجديدة في ارتكاب جرائم الحرب ضد الإنسانية. بحيث شهدنا لأول مرة ومنذ قيام الكيان الصهيوني صدور قرار عن المحكمة الجنائية الدولية يقضي باعتقال كل من المجرمين بنيامين نتنياهو ووزير الأمن المخلوع يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب ضد الإنسانية في غزة. وهذا القرار يشكّل خطوة متقدمة جداً لتصويب مسار الشرعية الدولية وإحقاق العدالة الإنسانية. وهذا بحد ذاته يشكل انتصاراً أممياً لقضية الشعب الفلسطيني ومقاومته، إضافة إلى تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. أمَّا مسار التطبيع فقد تمّ تعريته من محتواه نتيجة تداعيات المواجهة في غزة التي عمقت بدورها من المأزق الصهيوني – الأميركي بعد فشل أهداف العدوان، وهروب نتنياهو لفتح جبهات جديدة بعد غزة في الضفة ولبنان، بغرض إطالة الحرب وتعطيل المفاوضات والتهديد بتوسيع رقعة العدوان لجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة للخروج من مأزقه العسكري والسياسي والاجتماعي الذي يشكّل انعكاساً لنتائج حربه المجنونة الفاشلة.   
  • انكشاف مدى تواطؤ المجتمع الرأسمالي العالمي مع سرديات الإمبريالية الأميركية والصهيونية المفبركة لتشويه فعل المقاومة الفلسطينية وتحويلها إلى فعل إرهابي عبر تبني نظرية حق دفاع “إسرائيل” عن نفسها. بهدف، تبرير مواقفها المنحازة للعدو، ولتوفير مظلة أوروبية دولية بالشراكة مع الإمبريالية الأميركية في التعمية على حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. 
  • مساهمة المواجهة في غزة بإحداث المزيد من الفرز السياسي والطبقي بين الإمبريالية الأميركية والعالمية وأنظمتها الملتحقة والمطبعة مع العدو الصهيوني من جهة. وبين قوى التحرر والتقدم والديمقراطية العالمية المتضامنة والداعمة لوقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية على غزة، وفك الحصار عن شعبها وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط.

وبفعل ثبات وصمود ومقاومة أهل غزة يمكن إبراز النقاط التالية: 

  • لم تعد الإمبريالية الأميركية تستطيع أن تقنع أي أحد بحياديتها أو وساطتها أو رعايتها لأي حل للقضية الفلسطينية، لاعتبارها مصدراً للحروب والإرهاب، وشريكة في العدوان الصهيوني على غزة. وأن مقاومة مشروعها الاستعماري في فلسطين ولبنان والمنطقة مهمة تحررية وطنية واجبة للتخلص من هيمنتها والتبعية لها، لإنجاز التحرر الوطني الجذري الشامل.  
  • الاختلال الكبير الحاصل في بنية الكيان الصهيوني ووظيفته، وتعمق مأزق نتنياهو وحكومته الفاشية بعد فشله في تحقيق أهداف حربه الوحشية على غزة. وهذا يجب أن يعزز من وحدة الصف الوطني الفلسطيني من خلال مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كإطار موحد وجامع لنضال ومقاومة وتنظيم العمل الفلسطيني.
  • نزع القناع عن سياسات أنظمة الرجعية العربية، وانكشاف الوجه القبيح لتواطئها وخيانتها للقضية الفلسطينية ودورها المريب قبل وخلال فترة العدوان الصهيوني الوحشي على غزة. بحيث أن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة أسقطت اتفاقيات التطبيع الخيانية، وأنهت دور جامعة الدول العربية وصلاحيتها في الإحاطة بالقضية الفلسطينية وقضايا الشعوب العربية. 

منذ انطلاقة عملية السابع من أكتوبر البطولية ساندت المقاومة اللبنانية المقاومة الفلسطينية في مواجهتها للعدوان الصهيوني على قطاع غزة. ما الواقع الذي فرضته المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني؟

سمير دياب: يفترض بالقضية الفلسطينية أن تشكّل محور الصراع العربي – الصهيوني في المنطقة. وعليه، فإن مقاومة الاحتلال، تعني تلازم النضال الوطني بالاجتماعي. وتعني شمولية المواجهة ووحدتها وتنظيمها دون فصل بين طرفي المشروع الإمبريالي – الأميركي والصهيوني والرجعي العربي والقوى المتحالفة معهم.  

المقاومة جزء من نهج وقرار وثقافة وطنية، وهي واجب وطني مقدس، يجب تعزيزها وتطويرها من أجل التحرر الوطني.

ولأن المشروع الاستعماري يستهدف فلسطين ولبنان والمنطقة برمتها، فإن الساحة الوطنية اللبنانية، هي جزء لا يتجزأ في المعركة التحررية، وفي دعم ومؤازرة وإسناد المقاومة الفلسطينية، وفي تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في معركته الوطنية حتى التحرير. فالعدو واحد والمعركة واحدة. والارتباط وثيق بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتاريخي، تعمد بالدم والنضال المشترك منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وعملياتها النوعية، ومع المقاومة الإسلامية. فالمقاومة جزء من نهج وقرار وثقافة وطنية، وهي واجب وطني مقدس، يجب تعزيزها وتطويرها من أجل التحرر الوطني.

لذلك، فإن مساندة المقاومة الفلسطينية من الجبهة اللبنانية أسست لمرحلة جديدة، وفرضت معادلة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني، ولبت واجب مقتضيات الالتزام والدفاع عن القضية (بغض النظر حالياً عن طبيعة مشروع المقاومة الإسلامية)، وعززت صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في غزة. وأحدثت فرزاً عربياً وإقليمياً واضحاً حول سياسات دعم القضية الفلسطينية بين الشكل والمضمون. بين دفع الطريق نحو المقاومة للحل، وبين الدفع نحو طريق المفاوضات والاستسلام والتطبيع. فالطريق الأول، يساهم في عملية إنضاج الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية. أمَّا الطريق الثاني المجرب، فيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وشطب الحقوق الوطنية بكاملها، وتكرار عملية التهجير على نطاق واسع، تحت شعار “السلام المزعوم”. يعني تكريس مشروع الشرق الأوسط الاستعماري الجديد. 

منذ سبتمبر/ أيلول 2024 وسع العدو حربه العدوانية على لبنان وارتكابه للمجازر، وحاول التقدم إلى قرى حدودية مع فلسطين المحتلة، تصدَّت له المقاومة اللبنانية وأوقعت خسائر فادحه في صفوفه. د. سمير دياب ما هي أهداف توسيع العدو عدوانه على لبنان؟

سمير دياب: بعد فشل نتنياهو بتحقيق أهدافه العدوانية العسكرية والسياسية على غزة، كانت المؤشرات السياسية والأمنية تتجه نحو تصعيد العدوان الصهيوني على الضفة الغربية. لكنه، عدل عن رأيه بقرار أميركي لفتح جبهة الشمال عند الحدود اللبنانية الجنوبية. ومرد ذلك، لأسباب أبرزها: عدم حشر النظام الأردني المطبّع معه، وارتفاع نسب فوز حليفه ترامب بالانتخابات الرئاسية وتنفيذ وعده له بتقديم هدية جديدة بضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني. بعد أن تلقى هذا العدو هدايا من عهد ترامب السابقة، تمثلت بنقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى القدس، واعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، والسماح بضم الجولان السوري المحتل. وهذا يوضح، عمق الشراكة الإمبريالية – الصهيونية، وتعدد جبهات الحروب المفتوحة من غزة إلى الضفة إلى لبنان، والغارات الجوية على سوريا واليمن والعراق وإيران.. فاليوم التالي، هو تصعيد الحروب وتوسيعها على غزة ولبنان والمنطقة. 

في الأهداف المعلنة للعدو الصهيوني للحرب على لبنان، فتتمثل في وقف عملية الإسناد، والقضاء على المقاومة الإسلامية. وفك الارتباط بين المقاومة في غزة ولبنان، وإعادة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة.

وفي الأهداف المضمرة للحرب، فتتمثل في القضاء على المقاومة وتطويع الشعب اللبناني، وتغيير موقع لبنان العربي، وتوقيع اتفاق تطبيع شامل معه، وسرقة المياه والغاز.. كمقدمة لتوسيع رقعة الحرب باتجاه سوريا والعراق لفرض شرق أوسط جديد.   

هذا هو المخطط الأميركي– الإسرائيلي بكل أبعاده، ابتداء من تصفية القضية الفلسطينية إلى القضاء على المقاومة في المنطقة وفرض شروط مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الاستعماري.     

لذلك، فإن العدو الصهيوني يستكمل عدوانه على لبنان بنفس المنهجية الوحشية التي ارتكبها في غزة. من قصف المدنيين وترويعهم ودفعهم للنزوح عن أرضهم، وتدمير القرى والمنازل والبنى التحتية والمؤسسات وتحويل المنطقة العازلة في الشريط الحدودي وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إلى أرض محروقة حتى لا يعود أهلها.. ترافق ذلك مع تنفيذ سلسلة عمليات اغتيال لقادة المقاومة في المجلس العسكري وقادة الرضوان إلى استهداف الكوادر العسكرية الميدانية بتفجير أجهزة (البيجر وهواتف الايكوم..) وصولاً لاغتيال الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، ثم اغتيال السيد هاشم صفي الدين.. مع البدء بمباشرة أوسع عدوان بري وجوي لاختراق الخط الأمامي في الجنوب اللبناني التي باءت بالفشل الذريع على مدى أكثر من خمسين يوماً لحد الآن، بفعل المقاومة واستعداداتها وسيطرتها وإثبات قدرتها في الميدان. بحيث أن العدو الصهيوني لم يستطع الثبات في نقطة واحدة عند الخط الأمامي لقرى الجنوب. وأكثر، فقد أثبتت المقاومة قدرتها السريعة في ترميم هيكليتها العسكرية والاستمرار في تهديد جيوش العدو والمستوطنين ليس في قرى الشمال وإصبع الجليل فحسب، بل في حيفا وتل أبيب وأشدود أيضاً.      

 بكل الأحوال، قرار العدوان الصهيوني على لبنان ليس بحاجة إلى حجة الإسناد، أو تهديد المستوطنين، بل، أنه محضر منذ سنوات بالشراكة الأميركية – الصهيونية، التي أمنت له كل المساعدات العسكرية والتكنولوجية واللوجستية والاستخباراتية والمالية.. إلى جانب الإشراف الفعلي على المعركة عبر تزويد العدو بداتا المعلومات والإحداثيات وكافة تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنفيذ عمليات الاغتيال والمواقع الاستراتيجية. 

قرار العدوان الصهيوني على لبنان ليس بحاجة إلى حجة الإسناد، أو تهديد المستوطنين، بل، أنه محضر منذ سنوات بالشراكة الأميركية – الصهيونية، التي أمنت له كل المساعدات العسكرية والتكنولوجية واللوجستية والاستخباراتية والمالية

من هنا، فإن معركة المواجهة ضد المحتل الصهيوني، هي معركة وطنية مصيرية للدفاع عن لبنان وشعبه ومقاومته ودوره وموقعه. وفي هذا الإطار، نقول بثقة، كما صمد لبنان بشعبه ومقاومته الوطنية عام 1982 وحرر أرضه من رجس المحتل الصهيوني عام 2000، وكما انتصرت المقاومة على العدوان عام 2006، فإن لبنان بصمود شعبه ومقاومته على موعد قريب من هزيمة العدو الصهيوني، والانتصار للبنان ولقضية فلسطين.  

وماذا عن الحديث حول القرار 1701 والطروحات التي حملها المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين حول القرار وتوسيعه، وما هو، بالأساس، الموقف من القرار 1701؟ 

سمير دياب: في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تقدم المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين بورقة اتفاق إلى الدولة اللبنانية، بعد سلسلة الضربات والاغتيالات التي طالت قادة المقاومة، هذه الورقة تشكل تصوراً مختلفاً للقرار الدولي 1701، وهو أشبه باتفاق إذعان واستسلام أمام العدو الصهيوني. على اعتبار أن المعركة الميدانية قد حسمت لصالح العدو بعد ضرب “حزب الله” والقضاء على قادته وكوادره وسلاحه وهيكلته التنظيمية، والاعتقاد بأنه لم يعد قادراً على المواجهة. بحيث سارع نتنياهو لرفع السقف والإعلان عن فرض “شرق أوسط جديد”. لكن الأجوبة التي تلقاها هوكشتاين يومها بأن لبنان مع اتفاق وقف إطلاق النار يمر فقط عبر تطبيق القرار الدولي رقم 1701 لعام 2006 دون زيادة أو تعديل. 

عاد هوكشتاين “بخفي حنين”، بعدها بدأت مرحلة المفاوضات تحت النار لتشتد المعارك البرية على طول الحدود الجنوبية مع العدو الصهيوني، الذي حشد جيوشه المدججة بالأسلحة، تمهيداً لاجتياح الجنوب لغاية نهر الليطاني بعمق يصل إلى 35 كلم. لكن، في الميدان “يكرم المرء أو يهان“، وهكذا حصل مع العدو طيلة 40 يوماً، بحيث أن لم يستطع التقدم بضعة أمتار، أو السيطرة على قرية واحدة بفعل ضربات الصمود والمقاومة. رغم اعتماد هذا العدو سياسة الأرض المحروقة في أكثر من 37 قرية عند الحافة الأمامية، عدا عن تدمير عشرات آلاف الوحدات السكنية في مدن وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت، وتهجير أكثر من مليون ونصف مليون مواطن، وسقوط آلاف الضحايا والجرحى. وبقي القرار لميدان المقاومة، ليحطم عنجهية نتنياهو، ويفشل مخططاته وأهدافه في لبنان بعد فشله في غزة.  

وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عاد المبعوث هوكشتاين إلى لبنان بعد الانتخابات الأميركية وفوز ترامب. ليناقش مرة جديدة على ضوء مستجدات الميدان مقترح ورقة معدلة للتوصل إلى وقف العمليات القتالية (وقف الحرب) قبل التوجه إلى “إسرائيل” لمناقشة الموضوع. والورقة المعدلة في نسختها الثانية مؤلفة من 13 بنداً من صلب القرار 1701 مع بعض التعديلات الصياغية الأميركية عليها- وربما – بالتعاون والتنسيق مع العدو الصهيوني.  

وأبرز بعض بنود الورقة:

– يعترف الطرفان بأهمية القرار 1701 لتحقيق سلام وأمن دائمين، ويلتزمان باتخاذ خطوات لتنفيذه الكامل.

– لا تمنع هذه الالتزامات إسرائيل” أو لبنان من ممارسة حقهما الطبيعي في الدفاع عن النفس.

 – لتنفيذ القرار 1701، ستوفر حكومة لبنان جميع السلطات اللازمة لنشر الجيش اللبناني للقيام بمهامه إلى جانب قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) 

– مع بدء سريان وقف الأعمال العدائية (الهدنة)، ستبدأ فترة أولية مدتها 60 يوماً لتنفيذ الالتزامات المحددة في بعض فقرات الاتفاق.  

– يتم الانسحاب “الإسرائيلي” بطريقة تدريجية من الجنوب اللبناني، وستسلم قوات اليونيفيل القوات المسلحة اللبنانية لتنتشر في المواقع المحددة.   

– وخلال هذه الفترة المحددة ستعمل الدولة اللبنانية على زيادة عديد القوات المسلحة اللبنانية (الجيش) للانتشار في كافة المواقع وفق خطة، مقابل انسحاب أسلحة المقاومة إلى شمال الليطاني.

– فور انتهاء فترة التنفيذ الأولية لمدة 60 يوماً، ستقوم آلية المراقبة والتنفيذ بتقييم التقدم المحرز حتى تاريخه في تنفيذ الالتزامات المذكورة أعلاه، تبدأ مرحلة تنفيذ كامل اتفاق القرار 1701، وحل النقاط المتنازع عليها على الخط الازرق. 

– تشكيل لجنة مراقبة دولية مؤلفة من أميركا – فرنسا – لبنان– ” إسرائيل”، فقط. برئاسة جنرال أميركي. وأعتقد أنه تمت معالجة عدم مشاركة كل من ألمانيا وبريطانيا في لجنة المراقبة.   

 في النقاط الخلافية العالقة:  

موافقة لبنان ومقاومته على الورقة مع بعض التعديلات عليها وأهمها: تنفيذ القرار 1701 دون زيادة أو تعديل. رفض أي بند يتعلق بحق حرية العدو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية. الانسحاب الإسرائيلي الكامل حتى الحدود الدولية وفقاً لاتفاق الهدنة عام 1949. 

أمَّا موقف العدو الصهيوني (كما تم تسريبه)، فقد وافق على مسودة الاتفاق. والتمسك بوضع بند يتعلق بحرية الحركة في لبنان حال الاشتباه بوجود تهديد دون العودة إلى لجنة المراقبة الدولية المكلفة مراقبة الاتفاق.  

بعد جولة المشاورات في كل من لبنان والكيان الإسرائيلي، عمد الأميركي إلى حلحلة البنود العالقة على اعتبارها تفاصيل لا تمس جوهر القرار الدولي 1701، أهمها حق الطرفين في الدفاع عن النفس. (ويتم تسريب معلومات حول وجود ورقة تفاهم أميركية – إسرائيلية من خارج الاتفاق). وعلى أساس ورقة اتفاق القرار 1701 دون زيادة أو تعديل تم الإعلان عن وقف إطلاق النار من قبل أميركا وفرنسا و”إسرائيل” ولبنان ليل الثلاثاء 26 نوفمبر الماضي، على أن يبدأ سريانه عند الساعة 4 فجراً من تاريخ 27 نوفمبر 2024. بعد ليلة جنونية من مئات الغارات الصهيونية طالت بيروت العاصمة والضاحية والشمال وعكار والحدود مع سوريا والجنوب والبقاع، وبشكل إنتقامي، تعبيراً عن عجز وفشل هذا العدو في تحقيق أي هدف من أهدافه العدوانية على لبنان.

وقبلها، حاول نتنياهو تسعير حربه، وتكثيف هجومه البري على ثلاثة محاور في الحافة الأمامية للجنوب، يترافق مع غارات جوية مدمرة واسعة للجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت كمحاولة لتحسين شروطه في الاتفاق والإيحاء بتحقيق انتصار على المقاومة بهدف التخلص من مأزقه السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي. لكن، كما كان لميدان المقاومة كلمته الفاصلة في إعادة التوازن، فإن النتائج تنحو باتجاه الانتقال من الحرب الساخنة إلى الحرب الناعمة في لبنان، ولاحقاً في غزة وسوريا والعراق باتجاه إيران مع مرحلة دخول ترامب إلى البيت الأبيض       

صحيح، أن اتفاق القرار الدولي 1701 دون تعديل، يشكّل مدخلاً لوقف العدوان الصهيوني على لبنان، وربما- يكون أفضل الممكن (يعيد المقاومة الإسلامية في لبنان إلى المربع الأول). لكن هذه المرحلة من الصراع ضد هذا العدو أثبتت فعالية وأهمية الصمود والمقاومة في تحجيم العدو الصهيوني، وفي كسر أهدافه العدوانية والانتصار للبنان وفلسطين. إلَّا أن المعركة مع هذا العدو طويلة، ولم تنته بعد. وعلى أساس الاستفادة من التجارب الميدانية المحققة للمقاومة البطلة في لبنان وفلسطين يجب العمل بجدية وبروحية وطنية للاستمرار في هذه المقاومة وتجذيرها وتوسيع أطرها أكثر من خلال “مقاومة جبهة وطنية عربية شاملة” في سياق مشروع لحركة التحرر الوطني العربية جذري حتى إزالة الاحتلال الصهيوني وتحرير فلسطين وضمان حق العودة وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية وعاصمتها القدس، وتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجولان السوري المحتل. ومن الضروري بعد هذه المواجهة المشرفة للمقاومة، أن تجري عملية تقييم شاملة لتحديد موجبات المرحلة القادمة ومهماتها الوطنية. وعلى اليسار وكافة القوى الوطنية والديمقراطية اللبنانية أن تتنبه لضرورة تحصين دور المقاومة الوطنية والعمل لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، وخلق جبهة سياسية وطنية وشعبية ضاغطة لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية المقاومة. كأساس، في معركة التحرر الوطني ضد المشروع الإمبريالي – الصهيوني.   

المعركة مع هذا العدو طويلة، ولم تنته بعد. وعلى أساس الاستفادة من التجارب الميدانية المحققة للمقاومة البطلة في لبنان وفلسطين يجب العمل بجدية وبروحية وطنية للاستمرار في هذه المقاومة وتجذيرها وتوسيع أطرها أكثر من خلال “مقاومة جبهة وطنية عربية شاملة” في سياق مشروع لحركة التحرر الوطني العربية جذري حتى إزالة الاحتلال الصهيوني      

عقد اللقاء اليساري العربي اجتماعه العاشر في بيروت بين 13-15 سبتمبر/ أيلول الماضي تحت شعار: “لتعزيز دور اليسار العربي في مواجهة العدوان الإمبريالي – الصهيوني المستمر على فلسطين ولبنان والمنطقة”. د. سمير ما هي أبرز مقررات اللقاء اليساري العربي العاشر؟ وما هي آليات تعزيز اليسار العربي للنهوض بدوره كفصيل متقدم لمواجهة المشروع الإمبريالي الأميركي – الصهيوني ومقاومته؟

سمير دياب: لقد ناقش اللقاء اليساري العربي العاشر في بيروت في منتصف أيلول الماضي بصراحة وجرأة ثورية في مسألة دوره المحوري في كيفية طرح مشروع حركة التحرر الوطني العربية. وفي ترجمة حضوره الميداني إزاء التطورات الخطيرة الحاصلة في فلسطين والمنطقة. وأعتبر أن الحرب العدوانية تعد بمثابة ناقوس خطر لحرب إقليمية شاملة. وبالتالي، هي معركة المصير الوطني، تضع قوى اليسار العربية أمام تحديات تاريخية لتوحيد وبلورة مواقفها السياسية، ورسم خارطة الطريق الثورية لاستنفار طاقاتها وقدراتها، والانخراط كقوة ثورية طليعية بمختلف أشكال النضال والمقاومة لمواجهة مخاطر الحرب العدوانية الوحشية المفتوحة. وقد جاء في مقررات الوثيقة السياسية “لإعلان بيروت” الصادرة عن اللقاء اليساري العاشر النقاط التالية:  

في الموقف السياسي العام: 

الحاجة إلى مشروع سياسي يساري عربي يخرج حركة التحرر الوطني العربية من أزمتها. فالمواجهة المصيرية المفتوحة اليوم تستوجب العمل على توحيد الطاقات وبذل الجهود لبلورة مشروع سياسي شامل لكافة قوى اليسار والتحرر الوطني العربية والأممية، يهدف إلى:

أولاً: توحيد الرؤية والوجهة حول حلّ القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، نرى أن تطور المشروع الصهيوني الاستيطاني وسياسات الفصل العنصري في فلسطين التاريخية كلها، قد أسقط عملياً كافة الحلول الوهمية التي ترعاها الإمبريالية الأميركية والأطلسية بالتواطؤ مع الرجعية العربية بما فيها التسويق لمشروع حلّ الدولتين (في وقت يتنكر ما يسمى بالكنيست الصهيوني للوجود الفلسطيني أو لحقوق الشعب الفلسطيني من أساسه).    

ثانياً: شكل “إعلان بكين” قاعدة أساسية نحو تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية المُقاومِة، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على أسس ديمقراطية، على قاعدة إشراك الجميع فيها، لقيادة المعركة السياسية والجماهيرية في مواجهة المحتل الصهيوني، الأمر الذي يعزز الصمود الوطني والشعبي، ويحصن الانتصارات التي حققتها المقاومة الوطنية في ميدان المواجهة، ويثمر التضحيات الجسيمة التي بُذلت في هذا المجال، وصولاً إلى تحقيق كامل الحقوق الوطنية المشروعة للقضية وللشعب بثوابتها في حق المقاومة من أجل تحرير التراب الوطني الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الصهيوني، وضمان حق العودة للاجئين والتعويض عنهم، وإقامة الدولة الوطنية  الديمقراطية المستقلة  وعاصمتها القدس. 

ثالثاً: استنهاض دور اليسار في مقاومة العدوان والاحتلال الصهيوني والأجنبي، ومواجهة نظم التبعية والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي، بهدف إقامة دول وطنية علمانية ديمقراطية مقاوِمة، تتوحد فيها الطاقات حول مركزية القضية الفلسطينية، لوضع حدّ نهائي للاحتلال الصهيوني، وإلغاء كل أشكال التطبيع الخيانية والعلاقات مع العدو الصهيوني، وإنهاء الوجود العسكري الإمبريالي في المنطقة العربية، وكسر الهيمنة وفك التبعية. ورفض كل أشكال التقسيم والتفتيت والتجزئة في البلدان العربية. 

رابعاً: تظهير مشروع تنموي جديد يقوم على اقتصاد وطني عربي منتج ومتقدم تكنولوجياً، من أجل تعزيز التنمية الوطنية وتطوير المجتمعات العربية وتحقيق الظروف المادية لإعادة توزيع الثروات، وتكريس العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وإلغاء كل أشكال التمييز، وتحقيق المساواة، وتأمين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية لكل المواطنين.   

دور اليسار في مواجهة الحرب الصهيونية الشاملة  

إن انخراط فصائل قوى اليسار الفلسطيني المقاومة في مواجهة العدوان الصهيوني في غزة والضفة الغربية وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب كافة الفصائل الفلسطينية المقاومة الأخرى، كما في المقاومة الإسلامية ونداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الصادر عن الحزب الشيوعي اللبناني. يمكن أن يشكلان منطلقاً يبنى عليهما لتوسيع وتعزيز جبهة المقاومة الوطنية العربية الشاملة لمواجهة العدوان الإمبريالي – الصهيوني، وفق مشروع لحركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية.  

دور اليسار في المواجهة الشعبية والإعلامية:

لقد أثبتت الحرب العدوانية الدائرة اليوم في غزة والضفة ولبنان، أهمية الصمود الشعبي ودوره الرئيسي في رفد وتفعيل وتحصين المقاومة. إضافة إلى دور القوى الشعبية والإعلامية في دعم القضية والتضامن مع نضال ومقاومة الشعوب من أجل تحررها. وبالتالي، ضرورة أن يلعب اليسار دوره في هذا المجال، وتقديم كل الأدوات المعرفية والثقافية الوطنية لتعزيز الصمود والمقاومة الوطنية والمشروع الوطني التحرري.    

  • رفض التطبيع وكل أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني، وتفعيل العمل الشعبي وتعبئته في الشارع ضد سفارات الدول المشاركة في الحرب والداعمة للعدوان، رفع الدعاوى أمام الهيئات والمؤسسات الدولية والعربية المعنيّة، تفعيل مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للعدو الصهيوني وتعميمها، بحيث تشكل ضغطاً على هذه الشركات لوقف دعمها وسحب استثماراتها من هذا الكيان المحتل وإلغاء الاتفاقيات مع الجامعات الأجنبية والتي تخدم مشاريعه العدوانية وسيطرته، هذا ربطا بطرح مختلف القضايا الداخلية الوطنية والسياسية والاقتصادية – الاجتماعية المرتبطة بالتغيير الديمقراطي وبالدفاع عن الحريات العامة.

في آليات العمل: 

طرح مندرجات وثيقة “إعلان بيروت” مع كافة القوى اليسارية العربية التي يمكن الاتفاق معها للانطلاق والمتابعة ببرامج نضالية مشتركة. 

– العمل على حشد الدعم لقوى اليسار العربي في هذه المعركة من أحزاب ودول في العالم ذات توجهات تقدمية تتقاطع مع توجهاتنا الفكرية والسياسية.

– وضع خارطة طريق واضحة، تتضمن الخطوات الإجرائية في تعزيز العمل اليساري في مجال المقاومة وسائر مجالات العمل النضالي الوطني والاجتماعي على مستوى العلاقة بين الأطراف المعنية، وتفعيل العمل مع كافة الفئات الاجتماعية (النقابية العمالية والنسائية والشبابية) وسبل تعزيزها. 

– تفعيل دور اليسار العربي الإعلامي، بكل أنواعه، وذلك لأهمية نقل الموقف والصورة الواضحة عن طبيعة العدوان وأهدافه وكيفية مواجهته، وأبعاد المشروع الاستعماري الإمبريالي للشرق الأوسط، والمساهمة في كسر الاحتكار لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها، والمملوكة من أصحاب السلطة والمال.

انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية بفوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، ما قراءتكم لنتائج الانتخابات الأميركية وهل السياسة الأميركية ومشاريعها تتغير بوصول أحد مرشحي الحزبين الحاكمين، الجمهوري والديمقراطي، إلى الرئاسة الأميركية، أم أنهما وجهان لمشروع واحد؟

سمير دياب: فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الساحق على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، يأتي في إطار التنافس السياسي المتبادل والمستمر بين الحزبين على رئاسة البيت الأبيض منذ 150 عاماً، وضمن إطار المتغيرات في السياسات الداخلية وفي كيفية إدارة أزمة الرأسمالية الأميركية. بالإضافة، لانعكاس السياسات الخارجية ولو بشكل نسبي على نتائج المعركة الانتخابية. لكن فوز ترامب لا يغير من جوهر المشاريع والسياسات الأميركية – ربما التغيير في الشكل فقط – فالحزبان المتنافسان من منشأ طبقي رأسمالي واحد. وفكر إمبريالي استعماري واحد. والحزبان، يحاولان كسب الناخب الأميركي من خلال وعود لحل المسائل الاقتصادية التي باتت ديون أكبر دولة تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الطبقة العاملة الأميركية وفئات المجتمع الفقيرة والمهمشة يصعب الفكاك منها.       

أمَّا ترامب في نسخته الرئاسية الثانية، فلن يختلف بسياساته عن نسخته الاولى، سوى بالمزيد من التصلب والقوة وإظهار العظمة الأميركية، على شاكلة تعظيم حرب الإبادة الجماعية والتدمير والتهجير في غزة ولبنان. وهذه من سمات وصفات شخصيته المضطربة وشعاراته الجهنمية المطروحة، وفي تظهير قدراته السوبرمانية على حل أكبر الأزمات والمعضلات، ليس في أميركا، إنما في العالم. وهذا ما حاول تأكيده من خلال طرحه لمفاهيمه الخاصة حول “السلام والأمن والمال والتعاون والعلاقات الدولية”.       

فترامب بأطروحاته المحدثة لم يقرأ المتغيرات والتحولات العالمية، ويتنكر كما أسلافه لتراجع القطبية الآحادية الأميركية أمام موازين قطبية متعددة، واعتبار أميركا فوق العالم، وسعيها الدائم لشن الغزوات والحروب وخلق الصراعات والتدخل وفرض العقوبات والحصارات على الدول والشعوب المناهضة لهيمنتها وسيطرتها.   

أمَّا موقف ترامب الجديد، حول منطقة الشرق الأوسط، فواضح جداً. تجلى من خلال تعيين فريق عمل لإدارته متطرف ومتعصب للصهيونية لإكمال حفلة جنون الحرب في المنطقة. ابتداء من تصفية القضية الفلسطينية (صفقة القرن) وضرب المقاومة في المنطقة، وإعادة رسم خارطة “الشرق الأوسط الجديد” وفق نظريته لصفقات السلام، وتفعيل اتفاقات ابراهام (التطبيع)، وتوزيع الوعود أو عقد صفقات جزئية تضمن مصالح وحصص بعض الدول الاقليمية المؤثرة في الصراع. بمعنى، إبراز عظمة أميركا في المنطقة للتفرغ إلى معركته الأساسية بمواجهة الخطر الصين الذي يهدد السوق الاقتصادي الأميركي والعالمي، ويدفع به إلى المزيد من الأزمة والهشاشة والركود. ولو اقتضى ذلك منه التنازل لروسيا في أوكرانيا.     

لكن ترامب الحالم بعظمة أميركا سيواجه تحديات عملية بعيدة عن النظريات الانتخابية (الطوباوية) في الجانب الاقتصادي الأميركي، وفي الحروب الخارجية، وفي العلاقات الدولية والإقليمية (الصين وروسيا وأوكرانيا ودول البريكس وإيران..) وحتى مع الشركاء الأوروبيين وحلف الناتو، والعديد من الدول التي تصنف في الخانة الأميركية، بعد التجربة السابقة المرة معه.      

ولكن هذا لا يعني بمطلق الأحوال أن مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس أفضل حال منه. فالحزبان الجمهوري والديمقراطي متفقان ومتفاهمان على تقسيم الأدوار حفاظاً على الوجه الديمقراطي للإمبريالية الأميركية، ومختلفان في أساليب إدارة أميركا والعالم. والنتيجة واحدة تعمق الأزمة والفساد والحروب والفوضى وتوحش السوق في العالم.  

في ظل استمرار العدوان الأميركي – الصهيوني الإمبريالي على فلسطين ولبنان، وتوسيع دائرة الحرب في المنطقة، د. سمير دياب المنسق العام للقاء اليساري العربي ماذا بعد وما العمل؟  

سمير دياب: باختصار، المعركة مع المشروع الإمبريالي – الصهيوني صعبة ومعقدة وطويلة، وعلى أهمية مواقف اليسار العربي المبدئية الواضحة، ومساهمات أحزابه في كل بلد عربي، وفي التواصل مع الأحزاب والقوى الشيوعية واليسارية والديمقراطية الأممية للتضامن مع نضال الشعبين الفلسطيني واللبناني ومقاومتهما. إلَّا أن هذا الدور على أهميته يبقى دون المهمة الثورية المطلوبة لليسار من أجل التحرر الوطني والاجتماعي. فالقضية الفلسطينية، هي قضيتنا العربية المركزية، والمقاومة الوطنية هي جزء من ثقافته ومشروعه التحرري. وعلى هذه المنطلقات تأسس اللقاء اليساري العربي، ومهمته أولاً وأخيراً تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية، لتحقيق آمال وطموحات شعوبنا العربية من أجل تحررها الوطني والاجتماعي على طريق الاشتراكية. وإن أفضل زمان ومكان لتعزيز وتفعيل دور اليسار العربي، هو في ترجمة مندرجات ورقة “إعلان بيروت” السياسية إلى برامج عمل وأفعال ميدانية لتعزيز حضوره وتحصين موقعه بين صفوف الطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة والمفقرة والمقهورة، ليكون على مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني واللبناني وكل الشعوب العربية التواقة للتحرير والتغيير الديمقراطي. وفي المقدمة تحرير فلسطين وحق العودة واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس.

المجد للشهداء في فلسطين ولبنان، والتحية للصامدين والمقاومين صنَّاع المجد والعزة والكرامة والانتصار.  

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

بين مطرقة نتنياهو وسندّان ترامب: “اتفاقية وقف الأعمال العدوانية” خارج التطبيق

من الواجب رفع الصوت في هذه المرحلة المصيرية والدعوة إلى تكاتف القوى السياسية والشعبية التي لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني عدواً لنا. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العمل على استعادة السيادة الحقيقية على أرض الوطن ومياهه وثرواته

‏الكونغو الديمقراطية على حافة الانهيار: تصعيد الحروب بالوكالة وتحولات الخريطة السياسية

سيطرة المتمردين على غونا قد تؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، ما قد يخلق فراغاً سياسياً يسمح بتوسع الجماعات المسلحة الأخرى في مناطق أخرى من البلاد.

مستقبل الصراع اليمني – الإسرائيلي

باتت “إسرائيل” ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً.

الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد نجم الدين الخريط لـ «تقدُّم»: المرحلة التي تمر بها سورية تستوجب بلورة حالة وطنية لمواجهة العدوان الصهيوني وتحرير الأراضي المحتلة ورفض التقسيم

ليس من حق ولا صلاحيات أحد – مهما كان ومن كان- أن يتكلم بالنيابة عن أبناء شعبنا السوري في قضية حقوقه المشروعة بتحرير جميع أراضيه المحتلة.