فلسطين 2024: بانوراما الوحشية الجديدة

مضى العام 2024 الذي كان عاماً حافلاً بالأحداث الكبرى التي تركت بصمات واضحة على المشهد العالمي. واستمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، ولم تتوقف المجزرة التي غطت هذا العام وامتدادها بكامل أسلحة الموت الفظيعة إلى لبنان وضرب بنية المقاومة من رأس الهرم إلى البيئة المدنية، وسوريا وما شهدت تحولات استراتيجية بأبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي شكلت بمجملها انعطافات هامة في مسار العديد من القضايا الدولية، وتلقي بظلالها على ساحة الصراع المستمرة ومدياته الممتدة من اليمن إلى إيران والتي تشي بتصعيدات تطال القضايا المصيرية المتعلقة بالمنطقة وشعوبها، وكذلك الحروب الإمبريالية العابرة للقارات. 

بانوراما العام بدأت من فلسطين فهي أبجدية الصراع الأولى، التي بنيت عليها مجمل الأحداث التي ساهمت لاحقاً في تشكيل ملامح عام 2024. وكتبت بالحرب ومفاعيلها كشكل من أشكال الوحشية. ” ليست حربا، بل وحشية”

بهذه الكلمات وصف البابا فرانسيس الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو يتحدث في مجلس الوزراء البابوي للاحتفال وقال “أريد أن أقول هذا، لأنه يدمي القلب”.

1- بانوراما المشهد الفلسطيني

الحرب الوحشية، مستمرة بشراسة على قطاع غزة وبحسب المفكر الكاميروني آشيل مبيمبي Achille Mbembe.  يصف الوحشية، انها طريقة لإدارة القوة، وفي ظلها يتوقف القتل عن أن يكون استثناء، ويؤدي “تغيير حالة الحرب في صلب الحالة المدنية إلى تطبيع وضعيات منتهية. فتقوم الدولة باقتراف جرائم الحق العام تجاه المدنيين”، بحيث يمكننا أن نتعرف على الوحشية عند “انخفاض التقنيات الخاصة بساحة المعركة في الدائرة المدنية. بالتعريف المعنون في كتابه الوحشية؛ فقدان الهوية الإنسانية.

الإمبريالية المتوحشة، بصورتها التي تتجسد في استراتيجية تطبيقية لكل القواعد التي تتحكم باستخدام القوة تتمثل في التطورات الثلاثة: ١) الدفاع عن القطب الأحادي “الأمركة” ومواجهة تعدد الأقطاب، ٢) الدخول في استخدام مفرط للقوة للدفاع عن هيبتها العالمية وأمنها القومي. ٣) الحداثة الوحشية أي انها ليست وحشية قديمة بل جديدة لا يشبهها ما سبق، في الإدخال المتزايد للتكنولوجيا العصرية والمعلوماتية المتقدمة في تصميم الأسلحة.   هذه التطورات الثلاثة برزت حالة الوحشية باستخدام هذه الكثافة من التكنولوجية العسكرية المتطورة كأداة لصياغة الصراعات الدولية والتحكم بالمنطقة من بوابة الكيان الصهيوني.

  • الكيان الغاصب هو الأداة المؤهلة للقيام بارتكاب الجريمة الأبشع، طالما أنه فقد هويته الإنسانية منذ قيامه، ويمارس أشنع حرب وحشية بصفة انتقامية وتحت تبرير “حق الدفاع عن النفس” وعلى قطاع غزة، يخوض حرباً بدون قوانين. يقوم بدور ولي الدم، بتدمير شديد الفاعلية للقطاعات المدنية وتطال المستشفيات والنازحين والمؤسسات المدنية والمدارس لتصل معاناة الشعب الفلسطيني جرائها إلى مستويات لا تصدق ولا يتحملها بشر، من عمليات القتل والتدمير الممنهجة، والتي تشمل الإبادة الجماعية والحصار الخانق وحرب التجويع والتعطيش. حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني سجل حتى نهاية هذا العام 2024: 45317 مجموع الشهداء في قطاع غزة، 17581 منهم أطفال و 12048 نساء وعدد شهداء الطواقم الطبية بلغ 1055 وشهداء الصحافة 200 شهيد. أيضاً هناك 200 شهيد من موظفي الأونروا.

ترتفع معدلات الوحشية بألوان مقرفة من الابادة الجماعية والتطهير العرقي وسلب الحد الأدنى للمتطلبات الإنسانية، تحت وطأة كابوس تدمير شروط الحياة. 

  • مقاومة أسطورية تسجل البطولات المشرقة في وجه الوحشية القاسية، رغم أطنان القنابل ومحو الأحياء وإحراق الأرض ومن تحتها ومن عليها، لمن يجب من يعلن استسلامه، أو يرفع الراية البيضاء، إنها عظمة الإنسان الفلسطيني ابن الأرض الحقيقي وشموخ الإرادة التي تعانق السماء.

بوابة قطاع غزة الاستراتيجية:

  • يسعى الاحتلال كأداة إمبريالية لتحقيق أهدافه السياسية مثل حسم الصراع، وهو لا يعني حسمها في غزة، أو الضفة فحسب بل حسم الصراع على مستوى إقليمي، ومن بوابة غزة يريد أن يغير وجه الشرق الأوسط! دخل الحرب مرحلة التوحش القصوى المنفلتة من كل القيّم الأخلاقية والحقوقية والإنسانية، طالما الغاية من فرض وقائع جدية وتغيير ديموغرافي وجغرافي، بتركيبة مصطنعة إدارة سياسية موالية له في مناطق معينة من غزة، ويتضمن هذا المخطط إنشاء منطقة عازلة على حدود غزة، بالإضافة إلى محاولة تنفيذ خطة الجنرالات التي تهدف إلى إقامة معسكرات لتفرقة المواطنين الفلسطينيين وعزلهم عن أمكنتهم، تضييق حيز المكان وهذا ما يُمكن أن يُعتبر مخططاً لتفريغ القطاع من مقاومته.
  • من جهة أخرى، تظهر تحركات قادة الصهيونية الفاشية مثل سموتريتش وبن غفير وغيرهم الذين يضغطون باتجاه الاحتلال العسكري المباشر لغزة، مع اعتبارهم هذه الخطوة نقطة انطلاق لعودة الاستيطان في المنطقة.
  •  رغم محاولات الاحتلال ومن يقف خلفه من قوى وأذناب، إلَّا أن تنفيذ هذه المشاريع لم يكتب لها النجاح حتى الآن، وذلك بفضل صمود الشعب الفلسطيني في غزة، وإصرار المقاومة على عدم السماح له بتحقيق ما عجز عنه بالقوة المنفلتة لذا فهو يقاوم بشجاعة وعناد وثبات منقطع النظير.

 مشهدية الحرب واللاحرب

 ثمة فارق بين استعادة قوة الردع… وتقويض الردع التي يريد الاحتلال فرضها في معادلات الحرب، فالاحتلال يخطط لخفض التصعيد وليس وقف الحرب، أو وقف العمليات العسكرية وليس وقف اطلاق النار، أو الاعمال العدائية ولكن ليس من طرفه هو، لأنه يريد الاحتفاظ بقوة الردع، ولا تكبل يديه، هذا يعني تمسكه بعقيدة أمنية تقوم على  التدخل وقتما يشاء لما تدعيه من حماية الأمن القومي والحق بإطلاق النار وتحت مسمى المطاردة الساخنة، أي استمرار الحرب ووقفها في الوقت نفسه، كما يجري في الضفة الغربية التي تقع تحت احتلاله وسلطة بموجب اتفاقات سياسية وأمنية ومع ذلك يمارس الحرب بطريقتي، لا محاذير تمنعه. وهذا حكماً ينافي مبدأ وقف الحرب:

  • ذلك لم تتوقف المفاوضات الماراثونية غير المباشرة في قطر ومصر وتركيا في مسعى للوصول إلى صفقة تبادل توقف العدوان على غزة. 
  •  وسط مماطلة صهيونية مقيتة وادعاء الإدارة الأميركية الجديدة أنها تريد إيقاف الحرب، والوصول إلى صفقة في غزة، حيث أرسلت مبعوثين وأصدر إشارات لإدارة بايدن بضرورة إنجاز هذه الصفقة قبل استلام الرئيس ترامب للحكم، معلناً استمرار تهديده للمنطقة وإعادة رسم الخرائط من جديد، ويسمح للاحتلال في تحقيق كامل أهدافه.
  • قضية الأسرى، حيث تطالب “إسرائيل” بقائمة دقيقة تشمل أسماء الأسرى الأحياء والأموات، وترفض إطلاق أصحاب الأحكام العالية في المرحلة الأولى ووضع فيتو على أسماء قيادات فلسطينية مثل القائد احمد سعدات والقائد مروان البرغوثي. 
  •  بعد أن قبل الاحتلال الخروج من “نتساريم” على مراحل، ومرونة في أعداد الأسرى، وتحفظ على بعض الأسماء، وابدى استعداده للخروج من محور فيلادلفيا.

وكلما أبدت المقاومة المرونة، في سبيل وقف العدوان، واعتبار الطوفان هو عملية نوعية كبرى في تاريخ حرب التحرير الوطني. فالاحتلال يتعامل مع وقف النار انه امام صنف آخر من البشر، لم يحققوا له ما أراد، قامتهم لم تكسر، فيسعى لنزع ذلك عبر المماطلة وتقديم شروط جديدة، ويتراجع مرة أخرى، يمارس المماطلة كجزء من عملية التفاوض لتحقيق نقاط إضافية.

  • الأولوية القصوى بالنسبة لنا هي وقف الوحشية الصهيونية، وما يتطلبه ذلك من ربط بين المرونة في التكتيك والتمسك الثابت بالاستراتيجية وأن تتسع دائرة الحركة السياسية دون المساس بالمبادئ الأساسية.
  • باختصار الاحتلال ما زال يتحدث على ما أطلق عليه واهماً إحراز “النصر المطلق” لذلك يريد صفقة بدون وقف الحرب، ويتفاوض مع “حماس” للقضاء عليها كما يزعم! لذلك الاستهداف منذ بداية الحرب كان يحمل عنوان “الرهائن وحماس” ولكنه يستهدف بالفعل الشعب الفلسطيني وأهل غزة، الواجب الوطني يفرض وقف معاناتهم ودعم صمودهم وثباتهم في وطنهم.

اليوم التالي للحرب 

مع الحديث اليوم عن التالي لوقف الحرب، بالضرورة يجب أن يكون فلسطينياً، ويفترض العمل الفوري لتشكيل حكومة توافقية فلسطينية، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. والذي يرفض أن يملأ الفراغ “حماس” أو فتح، لذلك يروج لمشاريع عدة، فكان لا بد لخطوة فلسطينية اجبارية واستدراكية تقطع الطريق على المخططات المشبوهة، فتم التداول في تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، قدمت ورقة مصرية للفصائل عن جدواها وغايتها ومهامها وطلب ترشيح شخصيات وطنية مستقلة وكفؤة للقيام بالمهمة، ومع الإصرار على ربطها بمسارٍ وطني شامل وفق روزنامة وأجندة واضحة، بدلاً للجنة الإدارية المنعزلة فلا بد من المسار الوطني، والربط بين المسار الإداري  الخاص والسياسي الوطني العام وأن تكون الحكومة مرجعيتها وبقرار رئاسي لم يصدر بعد.

الضفة الغربية الفلسطينية:

  • تمتد يد الوحشية إلى باقي فلسطين وعبر خطة الحسم، وأصل الاستهداف هو الضفة الغربية قبل غزة، وعبر مشاريع الاستيطان والضم والتهويد والتهجير والمزيد من فرض القوانين لمصادرة الأرض وما يطلق عليه قادة الصهاينة، “فرض السيادة”. تتزاحم في الضفة جيش الاحتلال ومليشيا الاستيطان وأمن السلطة ومجموعات المقاومة، لكن قتامة المشهد المأساوي تزداد: المواجهات بين المقاومين والسلطة، وخاصة في المناطق الشمالية من الضفة مثل جنين وطولكرم، بما يوحي أنها تعد أوراقها للمرحلة الترامبية، واهمة ان ترامب الجديد غير ترامب القديم! 
  • مواجهة المخاطر المتزايدة على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون في الضفة الغربية من انفلات الاستيطان والاقتحامات والانتهاكات المستمرة للأقصى والقدس وسائر الأراضي الفلسطينية.
  • مواجهة هذه التحديات تتطلب استراتيجية فلسطينية موحدة تستند إلى رؤية سياسية واضحة وتعاون بين جميع الأطراف الفلسطينية، بعيداً عن المصالح الضيقة، وأن الوحدة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني في ظل هذه الظروف، خاصة في مواجهة المخاطر التي تهدد فلسطين على الصعيدين الداخلي والخارجي.

2- بانوراما فلسطين في المشهد اللبناني: 

شكلت المقاومة اللبنانية عقبة فعلية في الاندفاعة الامبريالية في صياغة “الشرق الأوسط الجديد”، لذلك كل حرب تشن على المقاومة كما جرى قبل 2006 كما اليوم، يتم وصف الحرب انها مخاض جديد لولادة “شرق أوسط حديد”. واليوم فإن الوضع في لبنان ليس كما قبل 7 أكتوبر وما بعده، حيث وجدت المقاومة نفسها في قلب حرب الإسناد، للتكامل مع المقاومة في غزة لأن الحرب ستؤثر على مستقبل المنطقة سلباً وإيجاباً، وقد فرضت اليوم الحرب الطويلة والواسعة بنتائجها واقعاً جديداً على المنطقة. 

  • “إسرائيل” أخذت تركّز على أهداف استراتيجية جديدة، مثل إعادة سكان الشمال لتوهم الجميع أنها تخوض “حربا عادلة”، لكن هدفها القريب فصل ساحات المقاومة وحسم الصراع إقليمياً، كونها تحترف فن الإفراط في القوة الوحشية وفائض القوة العسكرية، بحجم وبشدة الانفجارات والاغتيالات وشراسة المجازر التي ارتكبت بالحجر والبشر، دفعت لتداعيات سلبية في المشهد الإقليمي، رافق ذلك الحديث عن تغيير وجه المنطقة.
  • لم تكن الحرب على لبنان حرباً عادية، بل تختلف بشكل كبير وتستحق أن يطلق عليها حرب الجيل الرابع، والتي أدت إلى خسارة فاجعة باغتيال السيد حسن نصرالله وبمثابة ضربة قوية، كما أن استخدام استخباراتي للذكاء الصناعي والتكنولوجيا المتطورة قد أثّر بشكل كبير على سير المعركة وقدراته في القيادة.
  • رغم الضربات القوية، استعاد الحزب السيطرة بسرعة ونجح في منع “إسرائيل” من التوغل داخل لبنان، وأبقى المعركة مشتعلة على الجبهة الأمامية، مع الاستمرار في قصف المستوطنات ووسط الكيان بالصواريخ.
  • استخدام وسيلة الاختراق لشل منظومة التحكم والسيطرة واتخاذ القرارات بشكلٍ سريع وموحد. حيث كان يحتاج إلى وقت لترميم صفوفه وإعادة بناء أوضاعه القيادية.
  •  المراجعة الجدية والنقدية تستدعي استيعاب ما حدث ووعي دروس المعركة وفهم طبيعة التقديرات الخاطئة حول قدرة “إسرائيل” على فتح جبهة جديدة والقتال على عدة جبهات في وقت واحد، وخوض حرب طويلة، وخاصة ضد لبنان، حيث كان يعتقد أن الجيش الصهيوني منهك ولا يستطيع التصعيد أكثر.
  • تراوح معيار النصر والهزيمة بين كلفة الخسائر والدمار الوحشي الذي لحق بلبنان فقد كان كبيراً ومخيفاً جداً، مع أن المعيار فشل “إسرائيل” في هزيمة روح المقاومة وتحقيق هدف اقتلاعها، وقدرة المقاومة على النهوض من جديد والتعافي الشاق من الضربة وبتعديل حساباتها سريعاً لتوفير الأمن للبنان والحفاظ على البيئة الداخلية، وكانت التضحيات جسيمة، حيث فقدت المقاومة العديد من القادة البارزين في “حزب الله”، بما في ذلك السيد حسن نصرالله، مما مثل خسارة كبيرة للمقاومة.
  • اتفاق لبنان الذي أعطى مهلة الـ 60 يوماً لم يوقف “إسرائيل” عن ممارساتها العدوانية، بل استغلت الاتفاق لتقدم تفسيرها الخاص لها وتمارس نسختها الخاصة باستمرار التدخل وقتما تجد حاجة لذلك، رغم وجود لجنة إشراف تترأسها الولايات المتحدة وفرنسا في العملية، مما أدخل تطبيق القرار 1701 في المعادلة، ونتيجة لذلك، أصبح “الإسرائيلي” أكثر قدرة على فصل جبهة لبنان عن غزة، وهو الهدف الذي تحقق للأسف بنجاح.
  • على الأرض كانت هناك متغيرات كبيرة انعكست نتائجها سياسياً، فلقد فقدت المقاومة معادلة الردع التي كانت تمتلكها في وبعد 2006، وأصبحت “إسرائيل” تستعيد قوة الردع، مما أثار تساؤلات حول تحديد طبيعة الحرب، حيث بدأ الحديث عن “حرب إيران” وليس “حرب لبنان”، وكان ذلك للتضليل والتشويه.
  • وبدا أن مشهد لبنان يغذي شهية دعاة المشروع الأكبر للشرق الأوسط الجديد، الذي يسعى إلى دمج “إسرائيل” في المنطقة ومحاربة المقاومة، وفي هذا السياق، “حزب الله”، الذي قام بتنظيم تراجعه، محاولاً إعادة ترتيب أوضاعه، وتعزيز دوره الداخلي وبنيته التنظيمية.
  • لطالما كان الكيان “الإسرائيلي” يدرس ويخطط لحرب استباقية ضد المقاومة في لبنان. خطة يفصح عنها أحياناً لتصفية “الحزب” وتدمير الحاضنة الشعبية التي يدعمها، من باب التأثير على دوره الفاعل في المنطقة، فك ترابطه المصيري مع قضية فلسطين ودفعه للانكفاء الداخلي وترميم نفسه، كي لا يعود إلى السابق في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة.

3- بانوراما فلسطين في المشهد السوري

الموقع الجيو استراتيجي لسوريا وضعها في عين المخططات الأميركية – الصهيونية بهدف صياغة “شرق أوسط جديد”، وهذا لا يمر بدون تفكيك مقومات الدولة فيها وحدة أراضيها وشعبها وسيادتها، كما فعل مع دول عديدة في المنطقة العربية، واليوم بعد سقوط النظام تعيش المنطقة مرحلة مفصلية من تاريخها، حيث يشهد الوضع الداخلي حالة من القلق والترقب غير مسبوقة.

  • كنا أمام نظام، رغم مواقفه التاريخية الملتزمة بالقضية الفلسطينية ودعمه للمقاومة، إلَّا أنه كان نظاماً افتقد إلى حاضنته الشعبية نتيجة سياسات خاطئة، واستفحل فيه الفساد والاستفراد والاستبداد، عقد صفقات أخلت بالتوازنات القائمة بهدف تعزيز موقعه على الساحة الدولية تدفع ثمنها. ومواجهة شروط صعبة من هذه الدول تتعلق بالمس بعقيدتها ومؤسساتها وسياستها من أجل إجبارها لإقامة علاقات مستقبلية مع الكيان الصهيوني.

حدث ذلك نتيجة معادلات داخلية وخارجية تقاطعت معاً وفي توقيت حاسم، حيث شكلت تركيا غطاء لعملية عسكرية، في توقيت يتماشى مع نهاية الحرب في لبنان، وبالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية.

  • والخشية أن تتحول سوريا إلى ساحة نزف داخلي وصراع إقليمي ودولي، نتيجة مخاطر قد تطال وحدة وسيادة للبلاد بحكم وجود محاور متضاربة ومناطق متصارعة، “إسرائيل” فيها لاعب أساسي كما غيرهم من دول طامعة بأرضها وثرواتها إقليمية وعالمية. 
  • وخطر الاصطفافات المتناقضة قد تخلق حالة تهدد بالتراجع عن موقفها التقليدي بدعم المقاومة ورفض أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني. وهذا يضع سوريا الدولة في موقف ضعيف بعد أن تم تدمير معظم مقدراتها العسكرية من قبل “إسرائيل”، ولا يبدو أن هناك أفقاً لإعادة بنائها في القريب العاجل. 
  • وهذه مهمة القوى الوطنية والديمقراطية السورية لحماية الحريات والتقدم والعدالة والشراكة الوطنية والبناء وتحقيق خيارات الشعب السوري، وكذلك لعلاقته بالقضية الفلسطينية  ومكانة فلسطين في وعيه ووجدانه الأخلاقي والثقافي والتربوي، والذي هو واجب يضمن حماية الشعب الفلسطيني والحفاظ على الوجود الفلسطيني، وحماية المكتسبات، وبناء علاقات استراتيجية مع القوى السورية التي تُمثّل جزءاً من التاريخ النضالي الطويل في مواجهة الاستعمار العالمي للمنطقة ولمقاومة الاحتلال الصهيوني في سبيل تحرير فلسطين ونصرة الحقوق الوطنية  الفلسطينية العادلة.

4- بانوراما فلسطين في المشهد الإقليمي:

  • شكلت إيران مركزاً إقليمياً يتصدى للمخططات الأميركية وداعماً للمقاومة في فلسطين وهو مستهدف بقوة من المعسكر المعادي، وفي ظل التطورات الحالية، يواجه المشهد الإقليمي عامة والإيراني خاصة خيارات متعددة ومعقدة، ربما تدفع نحو توجه للذهاب نحو اتفاق نووي جديد، ولكن بصيغة مختلفة قد تفرضها التحديات الإقليمية والدولية. 
  • ولكن ستظل المنطقة مضطربة وتقف في عين العاصفة، حيث تواجه إيران ضغوطاً شديدة بسبب تصديها للمشروع الإمبريالي وتتحمل الخسارات المؤقتة لقوى المقاومة والتهديدات العسكرية المتزايدة، وبالتالي، قد تواجه تصعيداً عسكرياً أو تشديد الحصار عليها، في ظل غموض الخيارات المتاحة.
  • هكذا مع هدوء جبهات الإسناد الأخرى يظل اليمن ساحة الإسناد الرئيسية، حيث زاد من معدلات ووتيرة إطلاقه للصواريخ والمسيرات الانقضاضية التي عجزت كل منظومات الدفاع الجوي الأميركية – الصهيونية بطبقاتها المتعددة في اعتراضها، سواء “القبب الحديدية”، أو “مقلاع داود”، و”حيتس 1 و3 ” ومنظومات “الثاد” والباتريوت الأميركية، وأقل كلفة لصاروخ اعتراضي يطلق تجاه الصواريخ اليمنية، وهذا التصعيد اليمني قال بشكل قاطع بأن الجبهة الداخلية للكيان باتت مكشوفة أمام الصواريخ والمسيرات اليمنية، وأن الأمن والردع الصهيوني قد أصيب في مقتل، وبأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية باتت تعيش حالة من القلق والخوف، وأصبح حوالي مليوني مستوطن  بشكل يومي يتراكضون للملاجئ على وقع صواريخ اليمن الفرط صوتية، ناهيك عن تعطل حركة الطيران في مطار اللد، وما ينتج عن ذلك من خسائر بشرية واقتصادية. لا يمكننا تجاهل إمكانية توجيه ضربات عدائية كبيرة لليمن كذلك وفي محاولة لإعادة تنشيط الخلايا الإرهابية في المنطقة واستهداف العراق، خاصة في سياق محاولات تفكيك التحالفات الإقليمية الراهنة. ومع هذا التحول الاستراتيجي الذي يستدعي مراجعة وتقييم موضوعي وقراءة التجربة بشكل عميق وهادئ، لتحويل الخسارة المؤقتة إلى نصر مؤجل. 

بانوراما فلسطين في المشهد الدولي

تميّز المشهد الدولي بحقيقة انهيار منظومة القانون الدولي وفشل المجتمع الدولي في وضع حد للوحشية الصهيونية ووقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني في غزة على مرأَى ومسمع من العالم أجمع، منذ 8 أكتوبر 2023، وأن “إسرائيل” دولة مارقة ضد القانون والأخلاق والسلام والقرارات الأممية؛ دولة وحشية بفطن هويتها الإنسانية والأخلاقية، وترتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. 

كما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ” كريم خان” أنه قدّم طلبات إلى المحكمة لإصدار أوامر اعتقال بحق “رئيس الوزراء الإسرائيلي” نتنياهو و”وزير دفاعه” غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، وأشار إلى أنه استناداً إلى أدلة دامغة، وأهمية أن تنتصر أغلبية 172 دولة في الأمم المتحدة على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، أو على إعادة تأكيد على وجود الأونروا ودورها في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. 

صارت مكانة فكرة وقضية وسردية فلسطين في العالم بأفضل حالتها ووصلت إلى مكان لم تصله منذ تاريخ نشأتها.

 إنها تحديات العام الجديد وعلى أبواب مرحلة جديدة تتشكل ملامحها في خضم التحوّلات التي تطرح أهمية المراجعة النقدية والحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية، والتعامل مع المتغيرات المحيطة بحذر وجدية وشعور عالٍ بالمسؤولية.

لا خيار إلَّا مقاومة الوحشية للدفاع عن هويتنا الإنسانية، بعد أن تحررت الغرائز الحيوانية التي كانت في الماضي محل مراقبة، وارتفع ثمن التصرفات في الحرب الهمجية كما هو عليه وانتقل إلى الساحة المدنية، وأصبح التجرد من الإنسانية ممارسة عادية، والنزوات العنيفة بممارسة شرعية، وكان موضوع تشجيع، وهيمن البحث عن المختلف وانتشرت تقنيات التبرئة، وقسمة الكون بين محورين الخير والشر والنور والظلام والإنسانية والوحشية. 

سيما وأننا أمام قادة صهاينة جدد يحفرون قبورهم بأيديهم، ولأنهم من الطراز الذي وصفه المفكر آشيل مبيمبي بـ ” ديناصورات القرن الحديث والتي تسير نحو فنائها دون وعي”.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

بين مطرقة نتنياهو وسندّان ترامب: “اتفاقية وقف الأعمال العدوانية” خارج التطبيق

من الواجب رفع الصوت في هذه المرحلة المصيرية والدعوة إلى تكاتف القوى السياسية والشعبية التي لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني عدواً لنا. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العمل على استعادة السيادة الحقيقية على أرض الوطن ومياهه وثرواته

‏الكونغو الديمقراطية على حافة الانهيار: تصعيد الحروب بالوكالة وتحولات الخريطة السياسية

سيطرة المتمردين على غونا قد تؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، ما قد يخلق فراغاً سياسياً يسمح بتوسع الجماعات المسلحة الأخرى في مناطق أخرى من البلاد.

مستقبل الصراع اليمني – الإسرائيلي

باتت “إسرائيل” ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً.

الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد نجم الدين الخريط لـ «تقدُّم»: المرحلة التي تمر بها سورية تستوجب بلورة حالة وطنية لمواجهة العدوان الصهيوني وتحرير الأراضي المحتلة ورفض التقسيم

ليس من حق ولا صلاحيات أحد – مهما كان ومن كان- أن يتكلم بالنيابة عن أبناء شعبنا السوري في قضية حقوقه المشروعة بتحرير جميع أراضيه المحتلة.