الحكومة الجديدة في الكويت حكومة أكاديميين وكبار موظفين من دون غطاء نيابي أو سياسي شعبي

على خلاف الآمال، التي علّقها كثيرون بعد تسمية الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح رئيساً لمجلس الوزراء، فقد جاء تشكيل حكومته الأولى المكوّن من 13 وزيراً خالياً من أي شخصية سياسية وازنة حيث ضمت الحكومة ستة وزراء من حملة شهادات الدكتوراه وعدداً من كبار الموظفين في الدولة، ما يعني أنها أقرب ما تكون إلى حكومة التكنوقراط.

فرئيسها نفسه حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد في العام 1978، وكان استاذاً جامعياً، سبق له العمل سفيراً للكويت في واشنطن بين 1993 و2001، وتولى بعدها منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم أصبح وزيراً أصيلاً للخارجية بين 2006 و2011، ولا يحمل سجله السياسي شيئاً يميّزه سوى موقفه المشهود عندما أبدى في العام 2011 استعداده للتعامل، ايجابياً، مع المساءلة النيابية القائمة حينذاك حول فضيحة التحويلات المالية، ما أدى إلى استبعاده من الحكومة، التي كانت ترفض مثل ذلك التعامل الايجابي مع المساءلة النيابية وتتمسك بعدم الإفصاح عن معلومات حول تلك الفضيحة المدوية، ما أكسبه هالة من الشعبية.

والحكومة الجديدة على خلاف الحكومة السابقة، التي كان يرأسها الشيخ أحمد النواف ابن الأمير الراحل، لا تمتلك غطاء نيابياً داخل مجلس الأمة رغم مشاركة ما يسمى “الوزير المحلل” وهو النائب داود معرفي عضو مجلس الأمة فيها.

ولوحظ أنّ هناك إحجاماً من الشيوخ عن المشاركة في الحكومة الجديدة، بعد خروج وزراء الدفاع والداخلية والخارجية السابقين من التشكيل الحكومي، ما أدى إلى أن يحمل وزير الدفاع الجديد حقيبة وزارة الداخلية كذلك بوصفهما وزارتين سياديتين يتولاهما وزراء من شيوخ الأسرة الحاكمة، فيما تم لأول مرة تسليم حقيبة وزارة الخارجية، التي تعد هي الأخرى من الوزارات السيادية، إلى وزير أصيل لها من خارج شيوخ الأسرة الحاكمة، حيث تولاها السفير عبدالله اليحيا وهو أحد النواب السابقين لوزير الخارجية، ولعل تولي وزير من خارج الشيوخ وزارة الخارجية نقطة ايجابية تسجل لصالح التشكيل الحكومي الجديد.

وعلى هذا فقد برزت توقعات بأنّ الحكومة الجديدة قد تواجه صعوبات في التعامل مع مجلس الأمة، ما دفع البعض للاستنتاج بأنها حكومة مؤقتة، وأنّ دورها هو اختلاق أزمة سياسية تؤدي إلى حلّ مجلس الأمة، بما يناسب حسابات بعض مراكز النفوذ داخل السلطة.

ومن جانب آخر، فإنّ هناك انطباعات سائدة بأنّ العديد من وزراء الحكومة الجديدة وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نفسه الشيخ الدكتور محمد صباح السالم يحملون توجهات نيوليبرالية، وسبق للحركة التقدمية الكويتية أن نبّهت إلى ذلك مبكراً في يوم تسميته رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة الجديدة في 4 يناير/ كانون الثاني، والجديد، أنه بعدما أدّت الحكومة يمين القسم الدستوري أمام الأمير فقد ألقى رئيسها كلمة تناول فيها توجهات حكومته، ولوحظ أنها تضمّنت إشارات ملتبسة حول “ترسيخ الهوية الاقتصادية الجديدة للدولة”، وهو ما التقطته الحركة التقدمية الكويتية ودعت رئيس الوزراء إلى توضيح المقصود بالهوية الاقتصادية الجديدة للدولة، وما إذا كانت تختلف عن الهوية الاقتصادية للدولة التي حددتها المادة 20 من الدستور عندما ذكرت أنّ “الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين…”، حيث أعادت الحركة التقدمية الكويتية التذكير بمخاوفها من أن يكون حديث رئيس مجلس الوزراء عن الهوية الاقتصادية الجديدة للدولة مرتبطاً بتوجهات نيوليبرالية لدى الحكومة تدفع باتجاه الخصخصة وتقليص الدور الاقتصادي للدولة.

وفي حال تبني الحكومة الجديدة لمثل هذه التوجهات النيوليبرالية فإنها ستواجه بمعارضة شعبية ونيابية واسعة، في الوقت الذي هي فيه عرضة لاستهداف آخر من بعض مراكز النفوذ المتنافسة داخل السلطة. ومن الصعب الجزم بأنّ الأمور ستندفع سريعاً على نحو دراماتيكي نحو الصدام، إلا أنّه في المقابل من الصعب استمرار حكومة غير ذات قوام سياسي ولا تمتلك غطاء نيابياً، ما لم يحدث رئيس مجلس الوزراء تعديلاً موسعاً على تشكيلته الحكومية يضم فيه شخصيات سياسية قادرة على التعاطي الايجابي مع الغالبية النيابية في مجلس الأمة ومنسجمة مع المزاج الشعبي.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]