حول تصريح رئيس الوزراء عن الإصلاح الاقتصادي

في حديثه الأول أمام الصحفيين اليوم صرح رئيس مجلس الوزراء “أن من أهم أولويات الحكومة في هذه المرحلة هي مواجهة التحديات الاقتصادية وإصلاح الاختلالات في اقتصاد الدولة ومراجعة التشريعات والسياسات التي تمكن الدولة من إعادة هيكلة اقتصادها وتحقيق الإصلاحات المنشودة”.
وهذا التصريح يبرز مدى أولوية المسائل الاقتصادية في أجندة الحكومة الجديدة ورئيسها، وبالطبع فإنّ التصريحات عن مواجهة التحديات الاقتصادية وإصلاح الاختلالات في اقتصاد الدولة ومراجعة التشريعات والسياسات المتصلة بإعادة هيكلة الاقتصاد تتفاوت، بل تتباين وتتناقض وفقاً للموقع الطبقي لقائلها وتختلف حسب المصالح والقوى الاجتماعية، التي يعبّر عنها، حتى وإن بدت العناوين متشابهة.
فهناك فارق كبير بين المقصود بالتحديات الاقتصادية والاختلالات والإصلاح الاقتصادي لدى ممثلي غرفة التجارة على سبيل المثال، عنها لدى ممثلي العمال والطبقات الشعبية في الحركة النقابية العمالية والجمعيات المهنية والحركة التقدمية الكويتية.
ذلك أنّ ما يراه دعاة النيوليبرالية الرأسمالية من “إصلاحات اقتصادية” يتناقض مع ما يطالب به أنصار الاقتصاد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية… فدعاة النيوليبرالية، وبينهم عناصر أساسية في الحكومة الحالية ينطلقون من أنّ الإصلاح الاقتصادي يبدأ بالخصخصة وتصفية القطاع العام وإلغاء الدور الاقتصادي للدولة وتقليص بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية وخفض الدعوم وفرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة الرسوم على الخدمات وغير ذلك من بنود التوصيات المعهودة في روشتة صندوق النقد الدولي المكررة، التي طالما خرّبت اقتصادات العديد من الدول في العالم الثالث ومنطقتنا العربية وحوّلتها إلى لقم سائغة للرأسمال الأجنبي وأنهكت الطبقات الشعبية والطبقة الوسطى بأعباء مرهقة في تكاليف المعيشة… بينما يقصد أنصار الاقتصاد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في فهمهم المستند إلى الهوية الاقتصادية للدولة، كما حددها الدستور، ونحن منهم، بالتحديات الاقتصادية مواجهة تحدي الاقتصاد الريعي التابع يعتمد على الدور الوظيفي المتخلف المتمثّل في تصدير النفط الخام وتحويله إلى اقتصاد منتج مستقل عبر تصنيع النفط وتقوية القطاعات المنتجة في الاقتصاد، كما يطالب دعاة الاقتصاد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية بإصلاح القطاع العام ويعارضون تصفيته، ويدافعون عن المكتسبات الاجتماعية الشعبية والعمالية ويرفضون المساس بها، ويدعون إلى تحمّل القطاع الخاص مسؤوليته في توفير فرص عمل كريمة للشباب الكويتي والمشاركة في تمويل الميزانية العامة للدولة عبر ضرائب عادلة إجتماعياً مثل الضريبة التصاعدية على دخول الأثرياء وضريبة أرباح الشركات الكبرى…. وشتان ما بين ما يدعو له أنصار التوجهه النيوليبرالي الرأسمالي في الحكومة وخارجها، وبين ما يطالب به أنصار الاقتصاد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
وبالطبع ليس من المتصوّر أن تتبنى الحكومة الجديدة ورئيسها منظور الدستور ومصلحة الغالبية الساحقة من المواطنين ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة… ذلك أنّ الحكومة ورئيسها، هم في واقع الحال، أسرى منظورهم الايديولوجي النيوليبرالي الرأسمالي المعبّر عن مصالح القلّة الرأسمالية المتنفذة والمستحوذة على مقدرات الدولة والاقتصاد.
والأيام بيننا.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

السودان.. حصاد العام 2024 

عبثية الحرب تتجلى في أنها تدور داخل سكن المواطنين الأبرياء في أسواقهم ومدارسهم وبيوتهم وكل أماكن تجمعاتهم.

فلسطين 2024: بانوراما الوحشية الجديدة

إنها تحديات العام الجديد وعلى أبواب مرحلة جديدة تتشكل ملامحها في خضم التحوّلات التي تطرح أهمية المراجعة النقدية والحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية، والتعامل مع المتغيرات المحيطة بحذر وجدية وشعور عالٍ بالمسؤولية.

مراسيم وقرارات سحب الجنسية في الكويت.. تفسير لنصوص قانونية محل خلاف وجدل

شهدت الكويت خلال الأشهر الأخيرة صدور العديد من المراسيم والقرارات بسحب الجنسية الكويتية وفَقْدها وإسقاطها عن آلاف المواطنين والمواطنات، وهي في الوقت الحاضر قد تجاوزت ١٨ ألفاً وقابلة للزيادة