مؤتمر دافوس تأبيد لهيمنة الطغمة المالية وسرقة ثروات الشعوب

انطلق يوم الاثنين الماضي اجتماع منتجع دافوس للطغمة المالية العالمية، في جبال الألب السويسرية، الذي ضم 2800 شخص، يمثلون رجال أعمال ومال واقتصاد وسياسة، ناقشوا على مدى خمسة أيام، محاور رئيسة، طنانة رنانة، منها: ضمان الأمن والتعاون في عالم منقسم؛ اطلاق النمو وايجاد فرص عمل لحقبة جديدة؛ استراتيجية طويلة الأمد للمناخ والطبيعة والطاقة؛ والذكاء الاصطناعي كقوة دفع للاقتصاد والمجتمع.

بقراءة سريعة لعناوين قمة الطغمة المالية العالمية تتضح خلفيتها الأيديولوجية المحجوبة بمصطلحات ممجوجة تبثها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، فلقد انتهت لوثة الانبهار بـ “نهاية التاريخ” الفوكويامية، وصراع الحضارات هينتينغتون، ووعود العولمة والنيوليبرالية والفقاعات المالية والاقتصاد الوهمي بإفلاس دول وازدياد الفقر والبطالة والجوع وباتت شعوب العالم بأغلبيتها الساحقة، بما فيها شعوب الدول الرأسمالية، تدفع أكثر ثمن وباء جشع الربح لفئة الـ 1 بالمئة، فـ “الحرية الفردية” و”حقوق الإنسان” و”الديمقراطية” و”الاقتصاد الحر” تعني في قوانين النظام الرأسمالي العالمي حرية الاستغلال وتشريعه. وهذا ما نعيشه منذ حقبة تسعينيات القرن الماضي، منذ ما أطلق عليه تسمية الأزمة المالية- الاقتصادية الآسيوية التي كانت بسبب وصفات البنك الدولي النيوليبرالية، واحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، أزمة العام 2008 التي حدثت في أميركا وتصديرها إلى أوروبا، جائحة كورونا حيث أعاد النظام الرأسمالي العالمي، ورأس حربته الامبريالية الأميركية، كشف أن دوله تحكمها شريعة الغاب، تنهش بعضها الآخر لتنهش حق الإنسان في العيش ومواجهة الأوبئة، نذكر كيف دخلت بعض تلك الدول في صراع لإنتاج لقاح ضد كورونا ليس لأجل علاج المصابين به على امتداد الكرة الأرضية، بل من أجل احتكاره ليكون سلعة للربح المضاد للإنسانية، تجني منها الربح على حساب صحة شعوب العالم، بما في ذلك شعوبها.

إن واقع الاستغلال المعيش يفرضه النظام الرأسمالي العالمي وتتحالف دوله، في ما بينها، لتأبيده. انه التداعي لضمان أمن الدول الرأسمالية الامبريالية، هذا ما تترجمه الولايات المتحدة بتأجيج الاضطرابات والنزاعات والانقسامات والحروب في جميع أنحاء العالم.

وأي ضمان أمن هذا ورأس حربة الامبريالية العالمية، الولايات المتحدة مع حلفائها، هي الداعم والحامي للكيان الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين وتهجير أهلها، أصحاب الأرض والحق، منها. كيان صهيوني تاريخه النازي مليء بارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين. كيان منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى يومنا هذا، يرتكب حرب إبادة جماعية ضد قطاع غزة، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء، والمفقودين…. وتدمير شبه كامل لقطاع غزة، إنه ضمان أمن الكيان الصهيوني، قاعدة الامبريالية في عالمنا العربي، وحمايته، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ومنع أي محاكمة دولية ضده، وآخرها موقف أميركا، من دعوى جنوب أفريقيا القضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد جرائم الكيان الصهيوني في غزة، واستخدام أميركا، الجاهز، لحق النقض الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين العدو الصهيوني.

أما عنوان استراتيجية طويلة الأمد للمناخ والطبيعة والطاقة الذي ناقشوه، نكتفي بطرح أسئلة رئيسة هي: من الذي يسبب الاحتباس الحراري ويلوث المناخ والبيئة، من الذي يجري تجارب الأسلحة الفتاكة بالطبيعة وبالبشر، من هيروشيما وناكازاكي إلى استخدام الأسلحة المحرمة، دولياً، في العراق ولبنان وقطاع غزة، ومن الذي يبني مختبرات الحرب الجرثومية وينشر الأوبئة… أكيد ليسوا أهل المريخ!. وتبقى الطاقة ومصادرها وطرق مواصلاتها من العناوين الرئيسة للنظام الرأسمالي العالمي الامبريالي الذي على استعداد دائم لشن حروب لضمان فرض هيمنته عليها وعلى الدول الغنية بمصادر الطاقة، وتأبيد أنظمتها التبعية الريعية.

ليس مفارقة أن يناقش ممثلو الطغمة المالية العالمي في مؤتمرهم بدافوس عنوان اطلاق النمو وايجاد فرص عمل لحقبة جديدة، ولكن أي نمو وأي ايجاد فرص عمل يناقشونها، لندع بعض الأرقام تجيب فبحسب تقرير منظمة أوكسفام الذي تصدره، عادة، بالتزامن مع اجتماع قمة الطغمة المالية سنوياً، أظهرت أرقامه لعام 2024 أن ثروات أغنى 5 رجال ارتفعت بنسبة 114% منذ العام 2020 وتوقعت أن يشهد العالم ولادة أول تريليونير على الإطلاق في العالم في غضون عقد واحد فقط، وأشار التقرير إلى أنه أصبح المليارديرات، حالياً، أكثر ثراء بمقدار 3.3 مليارات دولار عمَّا كانوا عليه في العام 2020، وذلك على الرغم من الأزمات العديدة التي أثرت على اقتصاد العالم منذ بداية هذا العقد، وبينها فيروس كورونا؛ في المقابل، وبحسب تقرير أوكسفام، فإنه منذ العام 2020 أصبح نحو 5 مليارات شخص في كل أنحاء العالم أكثر فقراً، وأن إنهاء الفقر سيستغرق أكثر من قرنين من الزمان. كيف يزداد ثراء المليارديرات، الـ 1% من سكان الأرض، في ظل الأزمات الاقتصادية والأوبئة، بينما يزداد عدد الفقراء بالملايين، بالطبع هذا السؤال لا يجيب عليه تقرير أوكسفام، بل يعطي وصفات من ضمن منظومة آليات النظام الرأسمالي وقوانينه.

نحن الـ 99% ثروات العالم من حقنا… لنتوحد ونناضل من أجل عالم التقدم الاجتماعي والمساواة والحق بالعيش بكرامة وحرية على أرضنا والافادة من ثرواتنا ومقاومة الاحتلال والمشاريع الاستعمارية الرأسمالية.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

حرب السودان … مهددات التقسيم

يبدو أن هناك مهددات باتت واضحة لتقسيم السودان أسفرت عنها حرب الجنرالات في السودان التي انطلقت في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام 2023، والتي تكاد تكمل عامها الثاني.

بين مطرقة نتنياهو وسندّان ترامب: “اتفاقية وقف الأعمال العدوانية” خارج التطبيق

من الواجب رفع الصوت في هذه المرحلة المصيرية والدعوة إلى تكاتف القوى السياسية والشعبية التي لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني عدواً لنا. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العمل على استعادة السيادة الحقيقية على أرض الوطن ومياهه وثرواته

‏الكونغو الديمقراطية على حافة الانهيار: تصعيد الحروب بالوكالة وتحولات الخريطة السياسية

سيطرة المتمردين على غونا قد تؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، ما قد يخلق فراغاً سياسياً يسمح بتوسع الجماعات المسلحة الأخرى في مناطق أخرى من البلاد.

مستقبل الصراع اليمني – الإسرائيلي

باتت “إسرائيل” ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً.