نظام الكفالة انتهاك لحقوق العمَّال

تعتمد الكويت، ومثيلاتها من دول مجلس التعاون الخليجي، على توظيف ما يقارب 70٪ من العمالة الوافدة وتدير الإقامة من خلال نظام الكفالة. وهو الإطار القانوني الذي يحدد العلاقة بين العمال المهاجرين وأصحاب العمل لتوفير العمالة الرخيصة الوافرة في عصر التضخم الاقتصادي لصالح التجار. يستوجب هذا النظام على المواطن المحلي أو الشركة المحلية (الكفيل) رعاية العمال الأجانب حتى تكون تأشيرات عملهم وإقامتهم سارية المفعول، مما يعني أن حق الفرد في العمل ووجوده القانوني يعتمد على صاحب العمل أو ما يسمى بالكفيل. يمنح هذا النظام أصحاب العمل نفوذاً وتحكماً بالعمال بشكلٍ فج وغير مقيّد مما يبقي العمال معتمدين، كلياً، على الكفيل في معيشتهم.

‎هناك تقارير وثقتها منظمة هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch بينت بعض الانتهاكات التي تمارس على العاملين/ات، منها: التعرض للعنف الجسدي الجنسي، حجز أصحاب العمل رواتب العمال، ومصادرة جوازات سفرهم، ساعات العمل الطويلة دون إجازة وغير محددة السقف، وتعقيد الانتقال/ تغيير العمل وابقاء العمال، قسرياً، بعد انتهاء عقد العمل، بحيث يخضعون للإقامة الجبرية في الكويت لعدم حملهم جواز السفر، مما يمنعهم من العودة إلى وطنهم. كل هذه الأمثلة توضح أن هذا النظام يشرعن تكبيل السبل القانونية لإنصاف العاملين/ات واستمرارية انتهاك حقوقهم.

حق العمالة المهاجرة بالتنظيم النقابي

على الرغم من تبني دستور الكويت الحق في تكوين نقابات عمالية على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون في المادة (43)، وكذلك المادة (13) بحسب قانون العمل الكويتي رقم (6) لسنة 2010، لتنظيم العمل النقابي في دولة الكويت الذي ينص على “حظر التمييز في الحقوق النقابية والعمالية ولا يجوز أن يتضمن النظام الأساسي لأي منظمة أو نقابة عمالية أو مهنية أو وظيفية ــ شروط أو قواعد أو لوائح تميز بين أعضائها ــ أو تنقص أو تزيد حقوقهم أو تخل بها بأي وجه أو طريقة كانت إذا كانت تلك الشروط تميز بينهم على أساس اللون أو الجنس أو الجنسية أو الدين أو الأصل العرقي أو الوضع الاجتماعي أو الرأي السياسي”. ولكن التطبيق العملي لهذه المواد مقصور ولا يشمل العمال غير الكويتيين مما ينقص من الحق النقابي للعمالة المهاجرة. وعلى إثر ذلك، وانطلاقاً من الوعي الحقوقي وايماناً بالوحدة العمالية، فإن غياب النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني التي تفتقر إلى اللوائح والتشريعات التنظيمية لحماية حقوق العمال المهاجرين في الكويت، يؤدي إلى امتهان حقوق العمال وتعاظم استغلال رأس المال المحلي والأجنبي للعمالة المهاجرة وتدني الأجور وتفاقم ظروف العمل السيئة وإساءة معاملة الموظفين التي من الممكن أن تتجلى في صورة تمييز عنصري وطبقي وعنف قائم على النوع الاجتماعي. كما ان الاتفاقية الدولية رقم 98، الموقعة من قبل دولة الكويت، بشأن حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية تضمنت بند حماية العمال من أي عمل ينطوي عليه التمييز في حال الانتماء إلى نقابة عمالية كما هو موضح في مضمون المادة (13) من قانون العمل الكويتي المذكور أعلاه. 

لا يسعنا أن نخوض في مسألة نظام الكفالة دون أن نشير إلى الفئة الأكثر تعرضاً للعنف والتحرش وانتهاك حقوقها ألا وهم العاملات المنزليات. بالرغم من انه تم إقرار قانون خاص حديث للعمالة المنزلية، بسبب الضغوطات الخارجية في ملف حقوق الإنسان، والتي تمركزت على بنود بسيطة مثل تحديد ساعات العمل، والإجازات الأسبوعية، وعدم مصادرة جواز السفر..  إلا أن كل هذه البنود لا تُطبّق على أرض الواقع ولا يُعمل بها بسبب التجهيل المؤسساتي المتعمد لأرباب العمل والعاملات/ين فيما يخص بنود العمل، وأيضاً تراجع دور السلطة التشريعية والقضائية والهيئات المتمثلة بها.

على سبيل التخصيص لا الحصر، في الإطار التنظيمي للعمال المهاجرين تدير وزارة الداخلية عملية تغيير الكفيل أو النقل بدون إذن الكفيل الحالي، ويكون ممكناً، فقط، بعد انتهاء عقد الكفالة الذي يجدد كل عامين! ويعتبر “الهروب” من مكان العمل جريمة جنائية يحاسب عليها العامل قانونياً، حتى لو غادر بسبب سوء المعاملة أو أي انتهاك آخر يتعرض له. تنص عقوبة عدم الامتثال لهذه اللوائح التنظيمية على جواز فرض رسوم الهروب على العامل بعد 7 أيام من تسجيل صاحب العمل للرسوم، ما لم يُخطر العامل إدارة العمالة المنزلية أو يلجأ إلى الهيئة العامة للقوى العاملة. كذلك السماح لأصحاب العمل (الكفيل) بمطالبة سلطات الهجرة بإلغاء إقامة العمال وتوفير أقل السبل لإنصاف العاملات. زيادة على ذلك، قد يتعرض العامل للاعتقال والاحتجاز لمدة تصل إلى 6 أشهر ودفع غرامة تصل إلى 600 دينار كويتي والترحيل، وعادة ما يكون الترحيل مصحوباً بمنع دخول الكويت لمدة 6 سنوات على الأقل. 

نظراً لجسامة الانتهاكات التي يستبيحها نظام الكفالة وتكريس تبعية العمال لأرباب العمل تحت سلطة الدولة فإن نظام الكفالة يجب أن ينتهي، ممّا يتطلب منا أن نقف وقفة جادة وحازمة من أجل إلغائه وهي قضية لا تحتمل التسخيف والتأجيل. فإذا أردنا فعلاً أن نبني مشروعاً وطنياً يشترك ويتكاتف فيه الجميع لرفعة الوطن وتحقيق ما نصبوا إليه من آمال وتطلعات لبناء نظام ديمقراطي عادل لكل فئات المجتمع، علينا أن نذلّل العراقيل التي تستسهِل التعدي على حقوق البشر ومكتسباتهم في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يشهدها اقليمنا.

Author

  • داليا أحمد

    طالبة طب، نسوية ماركسية مهتمة في دراسة هياكل الاضطهاد الامبريالية الاستعمارية

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

حرب السودان … مهددات التقسيم

يبدو أن هناك مهددات باتت واضحة لتقسيم السودان أسفرت عنها حرب الجنرالات في السودان التي انطلقت في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام 2023، والتي تكاد تكمل عامها الثاني.

بين مطرقة نتنياهو وسندّان ترامب: “اتفاقية وقف الأعمال العدوانية” خارج التطبيق

من الواجب رفع الصوت في هذه المرحلة المصيرية والدعوة إلى تكاتف القوى السياسية والشعبية التي لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني عدواً لنا. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العمل على استعادة السيادة الحقيقية على أرض الوطن ومياهه وثرواته

‏الكونغو الديمقراطية على حافة الانهيار: تصعيد الحروب بالوكالة وتحولات الخريطة السياسية

سيطرة المتمردين على غونا قد تؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، ما قد يخلق فراغاً سياسياً يسمح بتوسع الجماعات المسلحة الأخرى في مناطق أخرى من البلاد.

مستقبل الصراع اليمني – الإسرائيلي

باتت “إسرائيل” ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً.