تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.
في محور ولاية الجزيرة قالت لجان مقاومة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة (منظمة شعبية ثورية)، إن طيران الجيش قصف في 20 أكتوبر الماضي مسجد الشيخ الجيلي ومحيطه بالبراميل المتفجرة، حيث بلغ عدد الضحايا 31 مواطناً.
ميليشيا الدعم السريع بدورها قامت باجتياح مناطق “تمبول” و”رفاعة” وقرى شرق وغرب ولاية الجزيرة في 22 أكتوبر الماضي وارتكبت عدداً من المجازر مما أسفر عن مقتل 21 مواطناً وعديد الجرحى لم يتم حصرهم، وذلك عقب انشقاق قائد قطاع الجزيرة بميليشيا الدعم السريع “أبو عاقلة كيكل” وانضمامه للجيش، وأسفرت تلك المجازر عن نزوح جماعي لمدن وقرى شرق الجزيرة.
واستمرت مجازر ميليشا الدعم السريع في قرى غرب الجزيرة حيث استباحت قرية “السريحة” في 25 أكتوبر الماضي ممَّا أدى لمقتل نحو 500 قتيل وعشرات الجرحى.
وفي محور الخرطوم قصفت طائرة مسيرة تتبع للجيش منطقة “مايو” جنوب الخرطوم في 22 أكتوبر الماضي، سقط على إثرها 20 قتيلا لم يتثنَ التعرف عليهم، إضافة إلى 29 حالة إصابة متفرقة.
يأتي ذلك والبلاد تمر بها الذكرى 60 لثورة أكتوبر المجيدة في السودان. (العام 1964).
ومن جهته قال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني فتحي الفضل:”تمر الذكرى الستين لثورة أكتوبر المجيدة وشعبنا لا زال يرزح تحت سلطتي الأمر الواقع، سلطة جنرالات مسنودة من قبل فلول (الإخوان المسلمين) وبعض القوى الخارجية، وفي الجانب الآخر الطرف الآخر مسنود من قبل بعض القوى الأخرى الخارجية التي تقف دفاعاً عن مصالحها الداخلية والخارجية”.
وأكد الفضل:” أن الصراع الذي يدور في السودان ليس جديداً، الشيء الأساسي أن إختيار السودان لم يكن صدفة للحرب الكارثية، فالسودان يقع في قلب القارة الأفريقية ويجاور سبع دول، وموقعه الجيوسياسي يضعه مدخلاً لأفريقيا جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، وتابع:” لا ننسى شواطئ السودان الطويلة في البحر الأحمر الذي يتحول إلى منطقة صراع لكل القوى الإقليمية والعالمية”.
وأضاف الفضل:” هنالك بالطبع ثرواته الطبيعية وأرضه الخصبة وتوفر المياه العذبة والزراعة والغذاء”.
وأوضح أن الحرب ترمي إلى تفكيك السودان وتحويله تدريجياً إلى دويلات. وأشار إلى أن 10 من ولايات السودان الـ 18 تعتبر ولايات حرب والبقية خاضعة، خاصة ولايات الشمال والشرق التي تشهد نزوحاً من سكان ولايات الحرب مشيراً إلى أن عدد النازحين بلغ 11 مليون نازح في السودان.
ما يجري في السودان حرب مقصود أن ينساها العالم، وهذا ينعكس في بطء أو عدم الاهتمام بالكوارث
وأبان الفضل:”إذاً ما يجري في السودان يظهر وكأنها حرب منسية مقصود أن ينساها العالم، وهذا ينعكس في بطء أو عدم الإهتمام بالكوارث التي يعيشها شعبنا ويعتقدون كأنها هي مصلحة القوى الإمبريالية وعملائها في الداخل وفي الإقليم.”
وقال إن نضال شعبنا وبشكل خاص قواه الوطنية والديمقراطية يتم في ظروف غير متكافئة، حملة السلاح وأجهزة الأمن والاستخبارات والقتل والنهب والكوارث الطبيعية، تزيد من صعوبات وتعقيد الوضع إلَّا أن تجارب شعبنا في النضال السلمي الصبور والدؤوب، والذي أدى الى إسقاط الأنظمة الدكتاتورية هو ما يلهم طلائع الحراك الجماهيري بالإستمرار والتعبئة والتنظيم لبناء الأداة المجربة الجبهة الجماهيرية العريضة والمواصلة في طريق التغيير الجذري وهزيمة مخططات القوى المعادية للشعب، والسير في طريق الثورة الظافرة، وتابع ما يميز الديمقراطيات والحريات في السودان أنها نبتت ونشأت من قاعدة المجتمع من أحزاب، نقابات، صحف، تنظيمات ديمقراطية، وطلاب، ونساء وشباب، ولهذا لن تستقر الأنظمة الديكتاتورية في السودان، رغم طول فترات حكمها ومن هنا يستدعي هذا التجارب الوطنية التي تدفع بالطلائع للإستمرار في النضال من أجل هزيمة حكم الجنرالات طرفي اللجنة الأمنية وانتزاع حقوق الشعب كاملة في الحكم المدني الديمقراطي الكامل.
وأكد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أن الشيء الأساسي كيفية بناء الأداة الناجحة التي يمكن أن تساعد كثيراً في إسقاط النظام الموجود، وأشار إلى أن القوى الحية قد بلورت بعض أدواتها ممثلة في لجان المقاومة والميثاق الثوري في بناء صرح الجبهة النقابية، وفي تحالف قوى التغيير الجذري، هذه القوى متى اقتنعت ووحدت رؤاها وأدواتها يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في تغيير موازين القوى لمصلحة غالبية الشعب وانتزاع حقوقه كاملة، ويمكن كذلك أن تكون الركن الأساسي في أي مبادرات داخلية وخارجية لإنهاء الحرب في بلادنا واستعادة ثورة ديسمبر العظيمة.
وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يواجه حوالي 25.6 مليون شخص – أي أكثر من نصف سكان السودان – الجوع الحاد بما في ذلك أكثر من 755,000 شخص على حافة المجاعة.
وتقدر (أوتشا) عدد النازحين بعد أكثر من 17 شهرا من الحرب في السودان الآن بنحو 10.7 مليون شخص (2.1 مليون أسرة).
من جهتها قالت اليونيسف إن 3.1 مليون شخص بما في ذلك 500 ألف طفل دون سن الخامسة، معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا، وأشارت إلى أن هناك أكثر من 17 مليون طفل في سن الدراسة خارج المدرسة بسبب الحرب المستمرة.
ومنذ اندلاع حرب الجنرالات في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي، ارتكب طرفا القتال انتهاكات مروعة بحق المدنيين.
الانتهاكات خرجت من نطاق الجرائم العادية التي ترتكب أثناء الحروب، وصارت انتهاكات وجرائم ممنهجة تدار على رؤوس المدنيين الأبرياء العزل
الصادق علي حسن رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور (هيئة حقوقية غير حكومية)، قال إن الانتهاكات خرجت من نطاق الجرائم العادية التي ترتكب أثناء الحروب، وصارت انتهاكات وجرائم ممنهجة تدار على رؤوس المدنيين الأبرياء العزل.
وأشار إلى أن هنالك أنماطا جديدة في الجرائم لم تكن معهود في الحروبات السابقة مثل الاغتصابات على نطاق أوسع، وقطع الرؤوس والإعدامات على رؤوس الأشهاد، وتابع هذه الجرائم والانتهاكات بهكذا طرق ووسائل ممنهجة ومنظمة تندرج ضمن كل الجرائم الموصوفة في القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي وعلى رأسها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري.
وعن محاسبة مجرمي الحرب على الانتهاكات قال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، تجربة جرائم دارفور مخيبة للآمال حتى في المحكمة الجنائية الدولية فبعد مرور عقدين من الزمان لم تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من القبض على أي مطلوب من المطلوبين لديها والمتهم الماثل أمامها وهو علي كوشيب بحسب المحكمة قام بتسليم نفسه، مؤخراً صار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان يتحدث بصورة غير رسمية عن عدم توافر بينات كافية في مواجهة البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هرون (رموز النظام السابق المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية)، وأنه بحاجة لفتح تحقيقيات للحصول على المزيد من البينات الإضافية، حديث المدعي العام كريم خان في هذه المرحلة بهكذا قناعات كما قال لرئيس هيئة محامي دارفور الأستاذ صالح محمود بأن عقيدته لا تسمح له بعمل ما لا يتفق وقناعاته، الهيئة تدرس هذا التوجه لمدعي جنايات المحكمة الجنائية وكيفية التعامل معه، فبعد وصول القضايا المرفوعة وصدور أوامر القبض من المحكمة فإن ما يصدر عن المدعي العام لا يعني أن المحكمة الجنائية ستأخذ به بالضرورة ولكن سيكون مؤثراً لأنه هو الذي يقدم القضية أمام المحكمة، وطالما أن قناعاته مهزوزة تجاه القضية فهذا سيضعف قضية الإدعاء أمام المحكمة، نخلص من هذا المثال بأنه عقب وقف الحرب يجب عدم التعويل على المؤسسات العدلية الدولية وبالضرورة البحث من الآن حول كيفية التأسيس لنظام قضائي قادر ومؤهل لمحاكمة مرتكبي الجرائم الجسيمة من الطرفين.