المنسق العام للقاء اليساري العربي د. سمير دياب في حوار خاص مع «تقدُّم»
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
تحاول شعوب العالم وقواه الحية، وعلى أساسٍ يومي، الإجابة بشكل ملموس عن سؤال: كيف ندعم غزة؟ كيف ندعم فلسطين؟ وتجد أجوبتها موزعةً بين التظاهرات والاعتصامات والضغط لإغلاق السفارات ولقطع العلاقات وحملات المناصرة والنشاط الإعلامي بأشكاله المختلفة بما في ذلك عبر وسائل التواصل… إلى غير ذلك من الأشكال المتنوعة التي تجتهد الشعوب في ابتداعها. وتصل مع نهاية كل نهارٍ إلى النتيجة نفسها: هذي الإجابات، إجابات ناقصة وليست على قدر السؤال، ولذا تعود مع مطلع كل شمسٍ للبحث مرة أخرى، وبالتجربة الملموسة، عن أجوبتها.
نحن في سورية، أجوبتنا أيضاً ناقصةٌ، وناقصة كثيراً. أجوبتنا التي على قدر السؤال كامنة غير متحققة، والمسألة ليست كما يشاء البعض تصويرها؛ ليست قلة حيلة ناتجة عن الدمار العميم الطويل الذي حلّ بالبلاد، بل ناتجة عن عدم تبلور إرادة سياسية لخوض المعركة، التي يمكنها – أياً كان الدمار الإضافي الذي ستحدثه- أن تتحول إلى مكسب لسورية ومخرجٍ مستدام ٍ من مستنقعها، قبل حتى أن تكون مكسباً لغزة ولفلسطين.
وأما الطريق نحو تشكيل تلك الإرادة الكفيلة بتحويل الإمكانية إلى واقع، فليست موضوع هذه المادة، ولكنها اختصاراً: إعادة توحيد سورية وإخراج القوى الأجنبية منها عبر الحل السياسي حصراً؛ أي عبر تطبيق القرار 2254 بشكل كاملٍ وفوري وبالتعاون مع مجموعة أستانا ومع الصين ومع دولٍ عربية أساسية، وبالضد من الإرادة الغربية ومن إرادة المتشددين وتجار الحرب السوريين… وأما السؤال الذي نحاول الإجابة عنه هنا، فهو معكوسٌ تماماً: كيف دعمتنا وتدعمنا -نحن السوريين- غزة؟
سورية قبل 7 أكتوبر
بعد انتهاء الطور الحربجي من الأزمة السورية أواسط 2019، بدأ الطور الاقتصادي الذي يشكل من وجهة نظر أصحابه الغربيين، الطور الأخير ما قبل الوصول إلى “التسويات” و”الثمار السياسية”، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
هذا المخطط، الصهيوني من حيث الجوهر، والذي لا يعدو كونه تطويراً ملموساً لـ”مشروع الشرق الأوسط الجديد”، حقق خطوات كبرى إلى الأمام خلال سنوات الأزمة، ولكنه لم يصل إلى نهاياته، ولن يصل؛ فالتوازن الدولي الجديد بتطوره الثابت والمستمر يضع الصهاينة والأمريكان في مواقع أضعف فأضعف مع كل يوم ٍ جديد.
كذلك، فإنّ التوازن الدولي الجديد نفسه، قد بدأ بالتعبير عن نفسه على المستويات الإقليمية؛ فتشكيل ثلاثي أستانا حول سورية وضرب المجموعة المصغرة الغربية، كان من أوائل تمظهراته الإقليمية. ومن ثم جاءت مرحلة التفاهمات الإقليمية التي شملت السعودية وإيران وتركيا ومصر بشكل أساسي، وهي الدول التي – ومع التفاوت فيما بينها- تنتقل أكثر فأكثر باتجاه كفة الميزان الدولي الشرقية؛ صوب الصين وروسيا. والآن يجري العمل على تسوية العلاقات السورية التركية، رغم الممانعة الشديدة من رافضي الحل السياسي من السوريين، والتي مع تحققها ستكسر بشكلٍ كامل الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية الغربية، وستفتح باب الحل السياسي الفعلي وباب خروج القوات الأجنبية وإعادة توحيد سورية والشعب السوري.
رغم أنّ هذا الاتجاه بالمعنى الدولي هو الراجح، إلا أنّ ترجمته على المستوى المحلي السوري لم تتحقق بعد؛ بل وأسوأ من ذلك، فإنّ الغلبة العملية ما تزال في يد أتباع الغرب وأحبائه من أمراء الحرب والمتشددين السوريين.
قبل 7 أكتوبر، كان هؤلاء، وبالتنسيق مع الغرب، يطورون “خطوة مقابل خطوة”، مشروع “حلٍ نهائي” على قياسهم. الكل يذكر ما كان يروج في الإعلام قبل أشهر عن جملة خطوات متزامنة يجري العمل عليها في سورية:
رغم أنّ إمكانيات تحقق هكذا سيناريو في سورية، وبحكم التوازن الدولي والإقليمي الفعلي، وبفعل إرادة عموم السوريين الرافضة له رغم انقساماتهم وخلافاتهم، كانت بكل الأحوال إمكانيات ضعيفة، إلا أنّ غزة قضت عليها نهائياً.
سورية بعد 7 أكتوبر
من المعلوم أنّ وجود سيناريوهين متصارعين في بلد من البلدان، يتيح دائماً هوامش من الزمن والألم والدم، ويتيح للاعبي الحبال القفز بينهما. ولكن الإجهاز على أحد السيناريوهين وإبقاء واحدٍ فقط، يجعل السير نحوه أسرع وأقل تكلفةً.
العمل الذي يقوده “الأبراهاميون” العرب تجاه سورية، ومن خلفهم الكيان والولايات المتحدة، قد تلقى رصاصة في القلب مباشرة، خرجت من غزة؛ فما جرى في فلسطين هو حكم إعدامٍ مبرم ٍ بحق اتفاقات التطبيع، حتى وإنْ تأخر تنفيذه الكامل بعض الوقت. وهو فوق ذلك حكم إعدام ٍ على فكرة “الناتو العربي” وعلى ما سمي “خط الغاز العربي”، وغيرهما من المشاريع التي تصب جميعها في المستنقع نفسه: الشرق الأوسط الجديد.
لطالما حاولت الأنظمة العربية ادعاء أنها صاحبة أفضال ٍعلى فلسطين وشعبها، ولكن الواقع وحقائقه قالت وتقول: إنّ قضية فلسطين قد جرى استخدامها من الأنظمة، طوال عقود، دريئة ضد شعوبها بالذات. وهذه القضية نفسها، وحين باتت دول بقضها وقضيضها مهددة بالتقسيم والتفتيت والإنهاء، هي من دافعت وتدافع عن وحدة تلك البلدان ووحدة شعوبها، ابتداءً من دفن وتحييد الصراعات الطائفية المقيتة، ووصولاً إلى توضيح البوصلة أمام الشعوب، بما في ذلك في حراكها لتغيير أنظمتها.
تقف غزة على المتراس الأول في وجه العدو الأول لكل شعوب العالم؛ في وجه الإمبريالية الأميركية الصهيونية، وسمها إن شئت الشيطان الأكبر، وسمها إنْ شئت عدو القومية العربية، وإنْ شئت عدو الإسلام والمسلمين… فهذه أيضاً إحدى فضائل الصراع المباشر الملموس مع العدو؛ أنها تحيّد الطرابيش الأيديولوجية، وتضع الشعوب في سكة نضالٍ موحدٍ لا يغيب عن أيّ ثوريٍ علمي أنه نضالٌ يقود بالاتجاه الصحيح بالضرورة.
ختاماً، أجوبتنا في سورية ناقصة ويجب استكمالها، أما فلسطين فوجدت أجوبتها… ووجدت أيضاً قسماً مهماً من أجوبتنا.
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
الاحتجاجات تكشف عن تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث يعبر الشعب عن قلقه العميق من تفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.
تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.