نظرية مصنع ميتسوبيشي للحيوانات الجاهزة

في ١٥ فبراير عام ١٥٦٤م ولد العالم جاليليو بمدينة بيزا في ايطاليا. حيث كانت الكنيسة تحكم وتسيطر على عقول الناس. كان جاليليو تنويرياً في مجتمع تسوده الرجعية. فقد اكتشف جاليليو أن الأرض ليست محور الكون استناداً للتجارب والتحليل العلمي. الكلام الذي كان يناقض ما تقوله الكنيسة أن الأرض هي محور الكون. حورب جاليليو من قبل القوى الرجعية وحاكمته الكنيسة ووضعته تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته.

وفي نفس الشهر الذي ولد فيه جاليليو غرد الفيزيائي يوسف البناي في الثاني من فبراير ٢٠٢٤ م مجموعة من التغريدات على حسابه على منصة X تحدث فيها عن تطور المخلوقات الحية. وتحدى في واحدة من تغريداته منكري التاريخ الطبيعي حيث أرفق البناي صوراً ومعلومات عن مخلوقَيّن. الأول كانت فيه خصائص الطيور والزواحف، والآخر كانت فيه خصائص الإنسان والقرود. وكتب في التغريدة “التحدي هو أن تُصنف لي هذه الكائنات في أي فئة تقع إذا كنت تعتقد بأن الحيوانات قد أتت جاهزة هكذا كأنها سيارات ميتسوبيشي خرجت من المصنع!”

الردود على هذه التغريدات عكست مدى هيمنة القوى الظلامية على عقول الناس. ففي مجتمعات يتعلم فيها الإنسان في المدارس والجامعات، نرى أن العلم في هذه المجتمعات مجرد شهادات الغرض منها التوظيف لا غير. فمؤسساتنا التعليمية ليس الغرض منها التعليم، بل التلقين وهو ما تطمح إليه القوى الرجعية. فالطالب يدخل المدرسه لا للإستزادة العلمية والنقاش العلمي وتغذية العقل، بل للحفظ. 

مؤسساتنا التعليمية ليس الغرض منها التعليم، بل التلقين وهو ما تطمح إليه القوى الرجعية. فالطالب يدخل المدرسه لا للإستزادة العلمية والنقاش العلمي وتغذية العقل، بل للحفظ.

إن دور مؤسساتنا التعليمية، المُهيمن عليها من قبل هذه القوى، في دراسة العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والطب والأحياء ليس الغرض منها فهم الطبيعة والاستفادة منها والمساهمة في تطوير البشرية، بل هي مؤسسات الغرض منها الظهور بمظهر الدولة المدنية لا أكثر.

ففي حين نرى مجتمعاتنا التي تملك جامعات من أفخم الجامعات من ناحية التصميم والبناء والديكور، لا نرى أننا نُخَرِج علماء وباحثين قادرين على مجاراة التطور العلمي والمعرفي، بل على عكس ذلك، تقف هذه المؤسسات في وجه العلم وتحاربه بتحريض من القوى الرجعية؛ وتسلط الحكومات الضوء على بعض الشخصيات المتخلفة المثيرة للطائفية والداعية للتخلف وتهمش الشخصيات الداعية للعلم والتطور. فعلى سبيل المثال حادثة إلغاء محاضرة علمية أكاديمية بالجامعة كما حصل مع الأستاذ البناي بندوة تحت عنوان: “الفيزياء والفلسفة وأسئلة الوجود الكبرى”، حيث تم الضغط والترهيب ليتم إلغاء الندوة وخضع المسؤولون لهذه القوى التي ترى الخوض في العلم من المحرمات ودعوة للإلحاد. وكذلك ما حدث لوحدة الدراسات النسوية والجندرة في كلية الآداب في جامعة الكويت التي حُوربت من نفس القوى حتى تم إغلاقها وهو مساس وتقييد لحرية البحث العلمي والعمل الأكاديمي.

 في حين نرى على سبيل المثال أن كوبا المحاصرة يمكنها إنتاج لقاحات كلقاح كورونا، ولم تكن لنا مساهمة علمية لتخطي هذه الجائحة. وفي حين يناقش العالم أزمة المناخ والاحتباس الحراري، لم تقم مؤسساتنا التعليمية بما يجب لمواجهة هذه المشكلة على الرغم من جديتها.

إن ما حدث من ردة فعل وهجوم لتغريدة البناي مشابه لردود أفعال الناس حينما واجه جاليليو القوى الرجعية، في زمنه، بالتجارب والدلائل. فقد كان الناس يستقون العلم من الكنيسة ويخشون كل ما هو جديد من العلوم.

إننا في مجتمعاتنا نحتاج إلى مؤسسات حقيقية للدراسة والبحث العلمي، وتقدير لمجهود العلماء والعلم في تسهيل حياتنا اليومية والاستعداد لمواجهة مشاكلنا المستقبلية والتصدي للجهل والإرهاب الفكري.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

عشر محطات ثقافية تاريخية عراقية – كويتية

عند تناول العلاقات العراقية – الكويتية، فإنّ الاهتمام ينصرف غالباً نحو المشكلات الحدودية والأزمات السياسية والأعمال الحربية، ولكني هنا سأركّز على البعد الثقافي التاريخي للعلاقات بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين، واخترت كنقطة بداية أواسط عقد عشرينات القرن العشرين لارتباطها من جهة بتأسيس الدولة العراقية الحديثة، ولارتباطها من جهة أخرى بانطلاق الحركات الإصلاحية في الكويت في ذلك الوقت.

تفكيك الاستعمار الاستيطاني.. نحو دولة علمانية ديمقراطية في فلسطين

المقاومة الفلسطينية لم تعد مجرد رد فعل على الاعتداءات المتكررة، بل أصبحت نضالاً شاملاً يرفض الانصياع لأي تسويات تنتقص من الحقوق الوطنية، ويؤكد على ضرورة إنهاء كافة أشكال الاستعمار الاستيطاني وبناء مشروع تحرري وطني شامل.

“امرأةٌ من ظفار” .. المهمش المنتصر على الطغاة والغزاة

الشخصية الرئيسية في الرواية هي المرأة الظفارية ”مِثال“، الفتاة الجميلة التي تنتمي لجبال القرا، الحُرّة من أي قيود، العاشقة للطبيعة والقيم الإنسانية العليا كالعدل والمساواة والكرامة. ومن الاسم تتضح رغبة الراوي في الربط الموضوعي بين القدوة والمثال الذي يستحق الاحتذاء وبين المرأة الثائرة.

الطوفان وأزمة عزمي بشارة

إن صلب أزمة بشارة مع الطوفان أن صوت الأكاديميا والتنظير الحبيس في الصالونات الثقافية ودفات الكتب يدخل في امتحان حقيقي ما إن تقع المعركة، وفي هذا الامتحان برزت هشاشة منظور بشارة ولتذهب كل الجهود والموارد التي عمل عبرها في تقديم أطروحته.