برزت الطبقة العاملة في الكويت إلى الوجود في أربعينيات القرن العشرين بعد اكتشاف النفط وبدء عملية إنتاجه وتصديره وتأسيس مرافق الصناعة النفطية، وما تبع ذلك من توسيع لأنشطة التجارة والمقاولات، إلى اضمحلال ثم تلاشي الاقتصاد ما قبل الرأسمالي ومناشطه التقليدية بدءاً من الغوص على اللؤلؤ وتجارته، خصوصاً بعد نجاح اليابان في زراعة اللؤلؤ؛ مروراً بالملاحة البحرية بعد انتشار السفن البخارية الضخمة، بالتزامن مع نزوح واسع لسكان البادية إلى المدينة وأطرافها للعمل في شركة النفط، ما نجم عنه اضمحلال الرعي وتجارة “المسابلة” (التجارة مع البادية اعتماداً على الثقة وتأجيل السداد إلى موسم الربيع)، وبذلك تقلّصت ثم تلاشت علاقات الإنتاج الاجتماعية ذات الطبيعة شبه الإقطاعية المرتبطة بالنمط الإنتاجي التقليدي السابق، حيث لم يستمر “الاقتصاد المختلط” سوى فترة قصيرة من الوقت، فيما تسارع التحوّل نحو علاقات إنتاج رأسمالية حديثة في إطار التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، وخلال تلك الفترة اتسع نطاق الهجرة من دول الجوار إلى الكويت بحثاً عن العمل في القطاع النفطي الجديد وفي أجهزة الدولة الناشئة وفي القطاع الخاص المتنامي… وكان ذلك هو السياق التاريخي الذي تشكّلت في إطاره الطبقة العاملة في الكويت.
الإضرابات العمالية الأولى:
وفي ذلك السياق التاريخي ذاته، وخلال النصف الثاني من الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، بدأت تتشكّل ملامح الوعي الطبقي الجنيني للطبقة العاملة وتحديداً الوعي النقابي العفوي عبر سلسلة من الإضرابات العمالية، ومحاولة تشكيل تكوينات نقابية عمالية، وذلك عندما حاولت مجموعة من عمال النفط تأسيس نقابة عمالية في ١٩٤٦ ولكنها لم تتمكن من انجاز مهمتها بسبب تخوف العمال من التسريح والطرد من العمل، ثم أسس عمال النفط “جمعية العمال” ذات الطبيعة التعاونية، وكانت تلك بدايات تكون بوادر الوعي العفوي لدى الطبقة العاملة الفتية بالرغم من كل الظروف القاسية التي كان يجري فيها النضال، حيث يُحظر وجود النقابات، وتنعدم الحدود الدنيا من الحريات العامة، إلا أن ذلك كله لم يمنع العمال الكويتيين من النضال لتحقيق مطالبهم المشروعة.
خلال النصف الثاني من الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، بدأت تتشكّل ملامح الوعي الطبقي الجنيني للطبقة العاملة وتحديداً الوعي النقابي العفوي عبر سلسلة من الإضرابات العمالية، ومحاولة تشكيل تكوينات نقابية عمالية.
ومن أبرز الإضرابات العمالية، التي شهدتها تلك الفترة إضراب عمال النفط في عام ١٩٤٨ الذي شارك فيه نحو ستة آلاف عامل معظمهم من عمال الحفر الذين يتسم عملهم بالمشقة، إذ تجمهروا وأعلنوا الإضراب عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف العمل والسكن، ولتزويدهم بمياه الشرب النظيفة، وتنظيم الخدمات الطبية وتحسين النقليات، واستمر الإضراب قرابة أحد عشر يوماً رغم التهديد والوعيد اللذين أطلقهما بعض أركان السلطة، وعندما لم يفلح التهديد والوعيد في فك الإضراب جرت مفاوضة العمال ووعِدوا بتلبية مطالبهم التي تحقق بالفعل جزء طفيف منها.
من أبرز الإضرابات العمالية، إضراب عمال النفط في عام ١٩٤٨ الذي شارك فيه نحو ستة آلاف عامل معظمهم من عمال الحفر الذين يتسم عملهم بالمشقة، إذ تجمهروا وأعلنوا الإضراب عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف العمل والسكن، ولتزويدهم بمياه الشرب النظيفة، وتنظيم الخدمات الطبية وتحسين النقليات، واستمر الإضراب قرابة أحد عشر يوماً رغم التهديد والوعيد اللذين أطلقهما بعض أركان السلطة.
وفي عام ١٩٥٠ أعلن عمال النفط الإضراب من جديد بعد أن نفد صبرهم في انتظار تنفيذ الوعد، وظلت مطالب المضربين كما هي مع إضافة مطلبي زيادة الأجور وتصفية التمييز بين العاملين.
وشهدت الكويت في فبراير “شباط” ١٩٥٢ إضراباً ثالثاً لعمال النفط استمر ثلاثة أيام، وبالمطالب ذاتها، وقد كان ذلك الإضراب أفضل تنظيماً من سابقيه، وبرز من قادته المناضل العمالي عاشور عيسى عاشور، الذي فُصِل من العمل واعتقل ومعه زميله محمد السقاف، وقد برز إلى جانبهما قادة آخرون من بينهم: فهد عطية، مسعود السعد، خالد صالح الرومي، خليفة فهد عبد الكريم، صالح جاسم الجيران، سعد الفارس، مجبل السعران، خلف العتيبي، صالح موسى، وأحمد عبد الله المضيان.
وقد تحقق بفضل تضافر العمال ووحدتهم ونضالهم عدد من المطالب العمالية التي رفعها المضربون.
وشهدت الكويت لاحقاً تطوراً في نضال الطبقة العاملة من أجل تنظيم نفسها في نقابات، رغم الحظر المفروض على تشكيلها، ففي مستهل عام ١٩٥٣ شكّل عمال النفط مجلساً تأسيسياً لوضع المطالب العمالية ورفعها للحكومة وشركة النفط، كما ساهم وفد عن عمال النفط الكويتيين لأول مرة في أعمال المؤتمر العالمي الثالث للنقابات… وهكذا، برزت إلى الوجود الطبقة العاملة في الكويت رغم كونها حديثة النشوء، ورغم كونها منقسمة إقليمياً وقومياً إلى عمال كويتيين وغير كويتيين، وإلى عرب وغير عرب.. كما أن نضالها استلزم إيجاد حركتها النقابية التي تدافع عن مصالحها، فكان تشكيل (المركز الثقافي العمالي) كصيغة شرعية لما يشبه العمل النقابي في الخمسينيات.
ويلاحظ أنه في فترة مبكرة بدأت تتشكل بعض المجموعات اليسارية، وأبرزها “العصبة الديمقراطية الكويتية” في العام ١٩٥٤، التي قمعت بشدة وجرت تصفية وجودها في ١٩٥٩.
تأسيس الحركة النقابية العمالية الكويتية وانطلاقتها:
بعد نيل الكويت استقلالها في العام ١٩٦١ وإقرار دستور للبلاد حازت الطبقة العاملة على حقها في التنظيم النقابي في عام ١٩٦٤ عبر تشريع قانون العمل رقم ٣٨ لسنة ١٩٦٤، الذي أسهمت المعارضة الوطنية في مجلس الأمة آنذاك في إقراره.
لقد كان تأسيس الحركة النقابية العمالية في أواسط الستينيات من القرن العشرين نقلة نوعية تاريخية في الوعي الذاتي للطبقة العاملة الكويتية وحاجتها إلى وجود تنظيمات نقابية تنظم صفوفها وتدافع عن مصالحها وتطالب بحقوقها، والملاحظ أنه خلال بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين ومنتصفه فقد اتسع حجم الطبقة العاملة، حيث تشير الإحصاءات الرسمية التي تعود إلى العام ١٩٧٥ إلى أنّ قوة العمل في الكويت التي كانت تضم ٣٠٠ ألف عامل يوجد بينهم ٩٠ ألفاً من الكويتيين، فيما كان الفلسطينيون يشكلون ٤٧ ألفاً، وكان هؤلاء مندمجين أكثر من أي جالية أخرى مقيمة في الكويت بالحياة العامة الاجتماعية والسياسية، ويليهم في العدد العمال من الجنسيات الأخرى.
كما شهدت أواسط السبعينيات من القرن العشرين تزايداً ملحوظاً في أعداد العمالة الكويتية في الشركات النفطية بعد اتفاقية المشاركة وكذلك بعد الامتلاك الوطني لشركات النفط الأجنبية الذي بدأ في العام ١٩٧٥.
كما شهد النصف الأول من السبعينيات تنامياً ملحوظاً للحركة الإضرابية المطلبية العمالية (أبرزها إضراب عمال شركة الأمينويل النفطية ١٩٧٣، إضراب عمال الموانئ في مايو “أيار” ١٩٧٣ إضراب العاملين في البنوك يونيو “حزيران” ١٩٧٤)، هذا بالإضافة إلى بروز دور الطبقة العاملة وحركتها النقابية العمالية على المستوى الوطني وخصوصاً في الحركة الشعبية الوطنية الرافضة لاتفاقية المشاركة النفطية المجحفة بحق الكويت والمطالبة بتأميم شركات النفط الأجنبية (الندوة الجماهيرية التي نظمها الاتحاد العام لعمال الكويت في ١١ مارس “آذار” ١٩٧٤، ومبادرته إلى عقد اجتماع لجمعيات النفع العام والهيئات الشعبية لإعلان موقف موحد في هذا الاتجاه عبر بيانه الصادر في ذلك اليوم).
تأسيس “حزب اتحاد الشعب” حزب الطبقة العاملة:
ساهم تشكّل الطبقة العاملة في الكويت واتساع حجمها؛ وتنامي وعيها الطبقي العفوي وتطور حركتها النقابية العمالية؛ وبروز دورها الوطني في المجتمع خلال أواسط سبعينيات القرن العشرين، في تبلور المقدمات الاجتماعية الموضوعية الضرورية لوجود الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة والفئات الشعبية.
وجرى في العام ١٩٧٥ تأسيس حزب الطبقة العاملة، حزب اتحاد الشعب في الكويت، واتسع نفوذ الحزب والعناصر اليسارية التقدمية في الحركة النقابية العمالية، حيث أصدر الاتحاد العام لعمال الكويت مجلة “العامل” التي لعبت دوراً توعوياً وتعبوياً نضالياً، كما تأسس “معهد الثقافة العمالية”، الذي أقام العديد من الدورات والمحاضرات النقابية التي رفعت من الوعي النقابي والنضالي للعمال، وكذلك فقد تأسست “لجنة المرأة العاملة”… وكانت السلطة في الكويت تحسب حساباً للحركة النقابية العمالية… هذا ناهيك عن الدور البارز والفعال للاتحاد العام لعمال الكويت في تلك الفترة في “الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب”، حيث تولى المرحوم ناصر الفرج رئاسة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في الفترة بين ١٩٧٧ و١٩٧٩، هذا إلى جانب مشاركة الاتحاد العام لعمال الكويت الفعالة في “الاتحاد العالمي للنقابات”، حيث كان يُعد من بين أنشط الحركات النقابية العمالية في البلدان العربية، وكان الاتحاد العام ونقاباته يضم ما يزيد عن السبعين ألف عامل، وهو عدد كبير في مجتمع صغير كالكويت.
لعبت الحركة النقابية في الكويت أدواراً مطلبية عمالية حققت من خلالها مطالب هامة للعمال، وخاض العمال تحت الراية التقدمية إضرابات عمالية ناجحة ذات محتوى طبقي واضح، كما لعبت الحركة النقابية العمالية في الكويت أدواراً وطنية مشهودة وبارزة.
وقد لعبت الحركة النقابية في الكويت أدواراً مطلبية عمالية حققت من خلالها مطالب هامة للعمال، وخاض العمال تحت الراية التقدمية إضرابات عمالية ناجحة ذات محتوى طبقي واضح، كما لعبت الحركة النقابية العمالية في الكويت أدواراً وطنية مشهودة وبارزة، منها أنها كانت أول مَنْ رفض الانقلاب الأول على الدستور عام ١٩٧٦، عندما تم حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري وجرى تعليق العمل بمواد الدستور، كما كان الاتحاد العام لعمال الكويت في طليعة مؤسسات المجتمع المدني التي أصدرت بياناً لرفض الإجراءات الحكومية، بل أن الأشخاص الوحيدين الذين تم اعتقالهم لتوزيعهم هذا البيان كانوا من النقابيين العمال التقدميين.
صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .
تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.
خلاصة خبرتها النضالية ورؤيتها الثورية المفعمة بروح المقاومة والثقة بتحقيق النصر وتحرير فلسطين كل فلسطين، ولتضع أمامنا قراءتها للمشهد المقاوم المستمر منذ أكثر من عام في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، بالإضافة إلى حديثها عن الحاضنة الشعبية للمقاومة ودور جبهات الإسناد في دعمها.
في هذه المعركة المفتوحة، والطويلة، وبغض النظر عن مساراتها، ومراحلها، تترابط مسائل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ومواجهة السيطرة الإمبريالية وربيبتها الصهيونية، فلنكن على مستوى التحدّي.