الأزمة الاقتصادية تحمل الأعباء على الطبقات الكادحة.. و”الوسطى” تنهار

تتزايد ضغوط أعباء المعيشة على الطبقات الكادحة في مصر طوال السنوات الثماني الماضية بشكل غير مسبوق، خاصة على الغالبية العظمى من العاملين بأجر، وأصحاب المعاشات، والعمالة غير المنتظمة، والفئات المهمشة، كما تنهار أوضاع شرائح متزايدة من الطبقة الوسطى، وذلك بسبب تحميل تلك الطبقات والفئات أعباء الأزمة الاقتصادية الخانقة الناتجة عن سياسات اقتصادية تتجسد أهم خطوطها، كما ورد في المقالين السابقين، في زيادة الأنشطة العقارية والإنشائية والخدمية مع تقلص الأنشطة الإنتاجية، وتزايد الاعتماد على الخارج (الاستيراد) لسد الاحتياجات المحلية الاستثمارية أو الاستهلاكية.

يعاني أكثر من 10 ملايين من المنتفعين بالمعاشات من هزال المبالغ التي يتقاضونها، مقارنة بالغلاء الفاحش في أسعار السلع والخدمات الصحية والسكن والمواصلات.

وقد أدت هذه السياسة إلى الوقوع في مصيدة الديون التي قفزت بشكل غير مسبوق من 40 مليار دولار عام 2014 إلى نحو 180 مليار دولار حالياً، ناهيك عن الديون المحلية التي تجاوزت 5 تريليونات جنيه، ثلثها، تقريباً، أموال المعاشات التي تستولي عليها وزارة المالية منذ عام 2008، لسد العجز الدائم في الموازنة، بينما يعاني أكثر من 10 ملايين من المنتفعين بالمعاشات من هزال المبالغ التي يتقاضونها، مقارنة بالغلاء الفاحش في أسعار السلع والخدمات الصحية والسكن والمواصلات.

وقد أسفرت نفس السياسات عن تزايد معدلات البطالة الكلية أو الجزئية، وقفزات غير مسبوقة في أسعار كافة السلع والخدمات، يضاعف من أثرها التحرير الكامل للأسواق بلا أية ضوابط أو رقابة، والممارسات الاحتكارية لكبار التجار والمستوردين، وشيوع الفساد، إلى جانب التوسع في الضرائب غير المباشرة والرسوم على كافة المعاملات الحكومية، وزيادة قيمتها، وبالتالي اتساع دائرة الفقر لتشمل غالبية السكان، رغم تزايد الثروات وتركزها في يد قلة ضئيلة من الأثرياء.

تزايد الفقر

في عام 2019 أعلن البنك الدولي أن 60% من السكان في مصر فقراء، وفق محدداته التي تعتبر الفقير كل فرد يقل دخله اليومي عن 3.2 دولار (51.2 جنيهاً يومياً، أو 1536 جنيهاً شهرياً).. كان ذلك قبل أن تنخفض بشدة قيمة العملة المحلية وتلتهب الأسعار طوال السنوات الخمس الماضية.

وبحساب سعر الدولار اليوم بعد سلسلة التعويمات المتتالية للجنيه، يعتبر فقيراً وفق حسابات البنك الدولي من يقل دخله اليومي عن 160 جنيهاً، أي 4800 جنيهاً شهرياً، وهذا يعني أن الأغلبية الساحقة من عمال القطاع الخاص (8 ملايين عامل) هم فقراء لأن أجورهم تتراوح بين 2000 و4000 جنيه، كما أن العمالة غير المنتظمة (نحو 14 مليون عامل) وهي عمالة منتشرة ليس فقط في القطاع الخاص الصغير ومتناهي الصغر ولكن حتى في الجهات الحكومية والمحليات وشركات قطاع الأعمال الكبرى، وكل هؤلاء العمال يتقاضون أقل من هذا الحد، هم فقراء أيضاً، إضافة إلى أغلبية أصحاب المعاشات والمنتفعين بالتأمينات الاجتماعية (أكثر من 10 ملايين) هم فقراء. وبإضافة من يعوله هؤلاء من زوجات وأطفال، إلى جانب الباعة الجائلين والمتسولين وغيرهم من الفئات المهمشة فإن العدد يتجاوز ستين مليوناً بكثير.

ورغم الإعلان عن زيادة الحد الأدنى للأجور في مارس 2024 إلى 6000 جنيه شهرياً، إلّا أنه لا يطبق إلّا على شريحة محدودة من العاملين بالحكومة الذين يقل أجرهم عن هذا الحد، ولا يطبق في القطاع الخاص والعمالة غير المنتظمة، ولا قطاع الأعمال العام. كما أن القيمة الشرائية للأجور تنخفض باستمرار بسبب التعويم المتتالي للعملة، فقد انهارت قيمة العملة المحلية بعد التعويم الذي تم الشهر الماضي، ليصل الدولار إلى أكثر من 50 جنيهاً مقابل 7 جنيهات قبل التعويم الأول الذي تم نهاية عام 2016 ليقفز الدولار إلى 20 جنيهاً، ثم يرتفع إلى 30 جنيهاً بعد التعويم الثاني عام 2023. وذلك بالتزامن مع انفلات أسعار السلع والخدمات بسبب عدم ضبط الأسواق وانسحاب الدولة من الرقابة على أسعار السلع وجودتها، والتزامها أمام صندوق النقد الدولي بإلغاء دعم الفقراء والرفع المتتالي لأسعار المحروقات والكهرباء والمياه.

هاوية البطالة تتسع: 

منذ بدأت سياسة الحرية المطلقة للسوق والاقتصاد الرأسمالي عام 1974، والتي تم تنفيذها على مراحل وبأساليب متنوعة، فقد أصبحت البطالة ظاهرة ملازمة لتلك السياسة، ومتزايدة باستمرار، رغم أن الأرقام الحكومية طوال الخمسين عاماً تشير إلى أن معدل البطالة يدور حول 13% من إجمالي القوى العاملة، أي ما بين 3 و3.5 ملايين عاطل، لا يزيدون ولا ينقصون، غير أن تلك الأرقام الرسمية لا تأخذ في اعتبارها العديد من مصادر البطالة غير المنظورة وغير المسجلة. 

والحقيقة أن هاوية البطالة، الكلية والجزئية قد اتسعت في مصر عبر وسائل عديدة خلال الأعوام الخمسين الماضية، أهمها:

  • توقف الدولة عن سياسة التوظيف وتقلص دورها الاستثماري لخلق فرص توظيف واسعة.
  • فشل الرهان على قيام القطاع الخاص المحلي والأجنبي بخلق فرص توظيف كافية لحل تلك المشكلة، فالاستثمار المحلي الخاص يركز أساساً على أنشطة الخدمات والعقارات والإنشاءات وهي أنشطة لا توفر فرص عمل كثيفة أو دائمة، كما أن أعداد المصانع المتوسطة والصغيرة التي توقفت أو تعثرت تجاوزت 3 آلاف مصنع بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية، والتوقف شبه التام لعمليات استيراد مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار، نتيجة شح العملات الأجنبية اللازمة لتمويل الاستيراد لدى البنوك. كما أن الاستثمار الأجنبي معظمه استثمار غير مباشر “للمحافظ الأجنبية” وهو استثمار غير مستقر ولا تزيد مدته على سنة مالية واحدة، ولهذا يسمى “الأموال الساخنة”، وهي لا توفر فرص توظيف ذات قيمة.
  • تصفية شركات القطاع العام أو خصصتها مع فتح باب المعاش المبكر في القطاعين العام والحكومي، مما أدى إلى تحول أعداد ضخمة من العمال من طاقة منتجة إلى قوة استهلاك تنفق ما حصلت عليه من مكافآت المعاش المبكر أو تعويضات التصفية، أو تم تسريحها بعد الخصخصة، وقد نتج عن ذلك تسريح مليوني عامل بالقطاع العام منذ تسعينات القرن الماضي ليتقلص الآن إلى 200 ألف فقط، وينخفض عدد العاملين بالقطاع الحكومي بمقدار مليون موظف خلال الأعوام العشرة الماضية. 
  • إحالة مهمة التوظيف إلى شركات خاصة لتوريد العمالة، وهي بمثابة مقاول أنفار، يقوم بالتعيين مقابل اقتطاع حصص من أجر العامل، كما أنه يعتبر عاملاً غير متعاقد مع الشركة التي يعمل بها، بل مع الشركة التي وردته، وبالتالي لا يتمتع بحقوق مضمونة في الأجر أو شروط العمل أو الأمان الوظيفي أو التأمينات الاجتماعية أو الصحية، ويصبح خاضعاً لاستغلال مزدوج من شركة توريد العمالة والشركة التي يعمل بها.
  • تراكم العاطلين من خريجي التعليم العالي والمتوسط والفني طوال العقود الخمسة، لغياب خطط التنمية التي تضع في اعتبارها الاهتمام بالصناعات التحويلية والزراعة والمشروعات التي تخلق فرص توظيف كبيرة ودائمة. 

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]