التظاهرات المؤيدة لفلسطين في الدول الأوروبية.. ذكرتنا بالقضية الفلسطينية

عقب “طوفان الأقصى” الذي يعدّ أكبر عملية شنتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على “إسرائيل” فجر يوم السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وشملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسللاً للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، والذي شنّه الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، استيقظت الغالبية العظمى من الرأي العام والإعلام وحكومات الاتحاد الأوروبي في حالة صدمة غير مسبوقة وإدانة منقطعة النظير لـما سمّي بـ “وحشية حركة حماس الإرهابية”، فأطلق العنان لحملة إعلامية ممنهجة وتعاظمت الدعاية الإسرائيلية المضللة ضد فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني الشرعية في بناء دولته المستقلّة، وجرت شيطنة حركة حماس باعتبارها حركة إسلامية أصولية متطرفة يقودها أصحاب العمائم، فكان السؤال المتكرر على شفة كلّ إعلامي غربي “هل تدين إرهاب حركة حماس؟”، ووصل الأمر إلى الانتقاد العلني لكلّ الأحزاب الشيوعية واليسارية في أوروبا التي كان لها رأي مختلف، واعتبرت أن ما قمت به المقاومة  كان نتيجة الحصار “الإسرائيلي” لغزة منذ سنوات، وعمل مقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.  

موقف الحكومات الأوروبية تجاه “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”

انحازت دول الاتحاد الأوروبي بشكل مطلق  لدولة الاحتلال “الإسرائيلي” عبر التأكيد على ما سمّته بـ “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقاً للقانون الدولي”، ودعوة  حماس إلى “الإفراج الفوري عن جميع الرهائن دون شروط”، لكن ازاء تعاظم جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها “رئيس الوزراء الإسرائيلي” بنيامين نتانياهو بحق الفلسطينيين وارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 35000 من بينهم حوالي 15000 طفل، شهدت  بعض  الدول الأوروبية تغييراً ملحوظاً نتيجة تغير الرأي العام الأوروبي وزيادة المظاهرات الطلابية والجماهيرية التي تنظمها الأحزاب الشيوعية واليسارية والنقابات الأوروبية. حيث برز تباين في الموقف الأوروبي وكانت آخر تجلياته اعتراف كلّ من إسبانيا والنرويج وايرلندا بتاريخ 22 حزيران/ يونيو الجاري، بدولة فلسطين، فيما يتوقع أن تنضم دول أخرى إلى هذا المسار خلال الأسابيع المقبلة. 

وبالرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي لا تزال ملتزمة بالسلام الدائم على أساس حلّ الدولتين، وضرورة التعامل مع السلطة الفلسطينية التي وصفوها “بالشرعية والشركاء الإقليميين والدوليين الذين يمكن أن يكون لهم دور إيجابي في منع التصعيد”، فإن أوروبا هي نفسها “على الجانب الخطأ من التاريخ”، حيث دعمها المطلق “لإسرائيل” وحرصها على عدم استخدام أي لغة أو مصطلحات قد تمسّ بدولة الاحتلال، وسعيها منذ بداية المجزرة الإسرائيلية في غزة إلى غضّ الطرف عن جرائم الإبادة الجماعية، وتبرير الوحشية الإسرائيلية بحقّ أهل غزة والضفة الغربية بتعميم مقولة  “في كل حرب يسقط  ضحايا”.

وبتاريخ 27-5-2024، أعلن معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام (GIPRI) تقديمه شكوى إلى الجنائية الدولية ضد رئيسة المفوضية الأوروبية بتهمة “التواطؤ بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين”.

وشدد بيان المعهد على أن “الشكوى تطالب المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق ضد فون دير لاين”، مشيراً إلى أن “هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن دعم فون دير لاين، غير المشروط لإسرائيل (العسكري والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي) مكّنها من ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية المستمرة في غزة”.

وأكد أن “فون دير لاين، بصفتها رئيس المفوضية كان لها دور فعال في الوصول للدعم العسكري الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للجيش الإسرائيلي”، لافتاً إلى أن “فون دير لاين لم تفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على إسرائيل، وأدلت بتصريحات كثيرة تتضمن معلومات حول تقديم الدعم الدبلوماسي لإسرائيل”.

جيل الشباب اليوناني والأوروبي يدعم فلسطين 

رغم أن جميع الأطراف المتحاربة (بما في ذلك القوى الإقليمية والعظمى) تتحدث بأنها تريد السلام في الشرق الأوسط، إلّا أن ذلك يبدو أنه لا يمكن تحقيقه على المدى المتوسط، لأسباب عميقة ومزمنة ومضرجة بدماء الأبرياء وللأسف لا توجد دولة غربية واحدة تريد أن تخرج من دائرة حيادها الآمن. 

ويبدو أن السواد الأعظم من الرأي العام اليوناني والأوروبي محايد بالقدر نفسه، حيث يقف الشباب في كثير من الأحيان إلى جانب الشعب الفلسطيني. وتعكس الاختلافات في الرأي العام أيضاً الفضاء السياسي الذي نشأت فيه، سواء في اليونان أو أوروبا. 

الرأي العام في اليونان

بحسب استطلاع للرأي أجرته شركة إيتيرون (معهد البحوث والتغيير الاجتماعي)، خلال الفترة من 17 إلى 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فإن 43.3% لا يؤيدون أي من الطرفين: فلسطين و”إسرائيل”، و28.5% يؤيدون فلسطين وفقط 22.1% يؤيدون “الإسرائيليين”. ومن حيث التفضيل السياسي، فإن ناخبي حزب اليسار الراديكالي “سيريزا” يؤيدون فلسطين بأغلبية 58.7%، ويعرب ناخبو حزب باسوك الاشتراكي عن انخفاض الدعم (24.9%)، في حين أن الناخبين الأكثر تأييداً للفلسطينيين هم ناخبو الحزب الشيوعي اليوناني بنسبة 64.6%. فيما ناخبو حزب الديمقراطية الجديدة اليميني الحاكم يؤيدون “إسرائيل” بنسبة 42.4 %، و53.6 % من ناخبي حزب “اسبارطة” اليميني المتطرف صرحوا انهم على الحياد.

إن التفسير الدقيق لميل الشعب اليوناني إلى اتخاذ موقف محايد يحتاج إلى مزيد من البحث النوعي، على الرغم من أن أحد التخمينات المحتملة قد يكون عواقب الانحياز إلى جانب أو آخر، كون اليونان دولة عانت سابقاً من عدد من الصراعات، ويبدو أنها ترغب في سلامها، وبالتالي ليس لديها أي التزام بالدفاع عن أي طرف.

الرأي العام الأوروبي 

في دراسة جديدة للرأي العام أجريت في خمس دول أوروبية هي بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد، من قبل مؤسسة “يوغوف” العالمية للدراسات والاستطلاعات، ومركزها لندن في المملكة المتحدة، يتأكد مجدداً تطور المشهد العام في الساحة الأوروبية، وتحرك الرأي العام بشكل مطرد نحو الإنصاف للحقوق الفلسطينية، جراء الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وانتقال شرارة التظاهرات الطلابية من الجامعات الأميركية إلى الدول الأوروبية ونجاح وسائل الإعلام الاجتماعية في نشر حقيقة ما يقترف في غزة والضفة الغربية، مما شكل ضغطاً على حكومات الدول الأوروبية. 

وتظهر استطلاعات الرأي التي أعلن عن نتائجها في النصف الثاني من شهر نيسان/ أبريل الماضي، أن نصف المستطلعة آراؤهم على الأقل يؤيدون حظر تجارة الأسلحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي (إيطاليا 65 في المئة، بلجيكا 62 في المئة، السويد 50 في المئة، فرنسا 51 في المئة، ألمانيا 49 في المئة)، في حين أن نسبة كبيرة على علم بالاتهامات التي تلاحق “إسرائيل”، بأنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتعتقد أن هذه الادعاءات صحيحة (إيطاليا 49 في المئة، السويد 46 في المئة، بلجيكا 43 في المئة، فرنسا 34 في المئة، ألمانيا 33 في المئة).

كما يظهر الاستطلاع أن هناك فروقاً واضحة بين الفئات العمرية، إذ إن فئة الشباب (18-24 سنة) المعروفة باسم جيل “Z”، أكثر مطالبة بوقف تسليح دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي أكثر وعياً لتقويض حقوق الفلسطينيين على يد “إسرائيل” بما في ذلك الإبادة الجماعية، وكذلك بالرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، وملاحقة المحتوى الفلسطيني والقضايا العالمية مثل “الكفاح من أجل المساواة” و”الحرية”.

بشكل عام، فإن العقوبات ضدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تحظى بموافقة كبيرة، وبشكل خاص حظر تجارة الأسلحة معها أو تزويدها بالعتاد العسكري (إيطاليا 65 في المئة، بلجيكا 62 في المئة، فرنسا 51 في المئة، السويد 50 في المئة، ألمانيا 50 في المئة)، ومقاضاة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم الحرب (إيطاليا 62 في المئة، بلجيكا 61 في المئة، ألمانيا 51 في المئة، فرنسا 51 في المئة، السويد 49 في المئة).

والمزيد من المستطلعة آراؤهم (باستثناء بلجيكا 16 في المئة) يعتقدون أن حكومتهم أكثر دعماً لدولة الاحتلال الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين (ألمانيا 44 في المئة، فرنسا 29 في المئة، إيطاليا 36 في المئة، السويد 25 في المئة)، والمزيد يعتقدون أنه يجب على حكوماتهم أن تكون إما أكثر دعماً للفلسطينيين أو أن يكون لها موقف متوازن من الطرفين (بلجيكا 45 في المئة، ألمانيا 49 في المئة، فرنسا 43 في المئة، إيطاليا 52 في المئة، السويد 48 في المئة)، بدلاً من دعمها المطلق وغير المشروط لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

كما وجد الاستطلاع أن الناس يعتقدون بوجود رقابة من جانب منصات التواصل الاجتماعي حول المحتوى الفلسطيني أو انتقاد دولة الاحتلال، بينما في معظم البلدان (باستثناء السويد)، يرى المزيد من الناس أن التغطية الإعلامية أكثر انحيازاً لدولة الاحتلال الإسرائيلي (ألمانيا 30 في المئة، بلجيكا 23 في المئة، فرنسا 30 في المئة، إيطاليا 36 في المئة، السويد 18 في المئة)، بدلاً من أن تكون محايدة (ألمانيا 30 في المئة، بلجيكا 24 في المئة، فرنسا 18 في المئة، إيطاليا 21 في المئة، السويد 28 في المئة)، أو منحازة للفلسطينيين (ألمانيا 9 في المئة، بلجيكا 21 في المئة، فرنسا 10 في المئة، إيطاليا 9 في المئة، السويد 24 في المئة).

عموماً، كما تظهر النتائج، فإن مستوى الوعي والمعرفة بالقضايا التي تؤثر على الفلسطينيين وحقوقهم رغم تزايده المستمر، لا يزال منخفضاً في الدول الأوروبية، مع اعتراف الأغلبية بإلمام محدود حول هذه القضايا (ألمانيا 67 في المئة، بلجيكا 62 في المئة، فرنسا 53 في المئة، إيطاليا 65 في المئة، السويد 62 في المئة).

وفي استطلاع رأي نُشر في مجلة Politico وأجرته شركة ComRes لحساب  CNN في عام 2018، بدى أن القادة الأوروبيين منقسمون، وكذلك شعوب أوروبا. وعلى الرغم من الاعتراف بالمحرقة واضطهاد اليهود في أوروبا بنسبة 41%، إلّا أن المواطنين الأوروبيين يقولون إنه ليس لديهم معرفة مطلقة بإسرائيل ككيان دولة بنسبة 28%.

بل على العكس من ذلك، فإن نسبة معرفة الإسرائيليين بما يجري في أوروبا أعلى بكثير (50%). وبنسبة 50-53%، لا يرغب المواطنون الأوروبيون في الوقوف لصالح الفلسطينيين أو الإسرائيليين، ولا لصالح قيادتهما. ومرة أخرى نرى اختلافات في العمر، حيث أن حوالي 30% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً يفضلون “إسرائيل”، مقارنة بـ 17.2% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-34 عاماً. وتختلف المواقف المؤيدة لفلسطين عن المواقف المؤيدة “لإسرائيل” بنسبة 4% فقط، حيث يكسب “الإسرائيليون” في الأعمار الأكبر.

ويبدو أن الرجال الفرنسيين لديهم موقف أكثر إيجابية تجاه “إسرائيل” من النساء بنسبة 11 ٪ أكثر. وفي الدوائر اليسارية، ينظر الفرنسيون إلى “الإسرائيليين” بتعاطف بنسبة 63%، في حين تسجل الأحزاب القومية نسبة تعاطف معتدلة تبلغ 33%..

التظاهرات اليونانية والأوروبية الداعمة لحرية فلسطين وضد الإبادة الجماعية 

يشهد التاريخ السياسي اليوناني أن اليونان كانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي صوتت في عام 1947 ضد إنشاء “دولة إسرائيل”، بسبب علاقاتها التقليدية مع العالم العربي. وعلى الرغم من أن اليونان اعترفت بحكم الأمر الواقع “بإسرائيل” في مارس/اذار 1949، إلّا أن العلاقات الدبلوماسية بين أثينا وتل أبيب لم يجر إرساؤها بشكل كامل حتى عام 1990، عندما شرع الجانب اليوناني في الاعتراف القانوني “بالدولة الإسرائيلية”، بينما قام في الوقت نفسه بتطوير العلاقات الدبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينية والفلسطينيين.

وكما أسلفنا عقب عملية “طوفان الاقصى”، أعلن الحزب الشيوعي اليوناني المعارض إعلان دعمه لفلسطين من دون مواربة ووضع الحزب في تصرف فلسطين لجهة تنظيم عشرات المظاهرات، شارك فيها أمين عام الحزب “ديمتري كوتسوباس” ومنظمات الحزب الشبابية والنقابية في كافة أرجاء اليونان. 

وقال الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في تصريح حول الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني:

“إننا نوحِّدُ صوتنا مع شعوب العالم بأسره، مع آلاف الطلاب في الولايات المتحدة والبلدان الأخرى الذين يهتفون بجهورٍ “الحرية لِفلسطين”، مطالبين بإيقافِ الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة”. 

ودعا إلى أن “تسحب الحكومة اليونانية هنا والآن دعمها لدولة إسرائيل الإرهابية، وليتوقَّف تورط اليونان في الحرب، ولتعُد فرقاطة “إيذرا” اليونانية من البحر الأحمر”.

واستجابة لدعوة جمعيات طلاب أثينا، شارك آلاف الطلاب بتاريخ 13-05-2024 في الاحتجاج الذي استمر طوال الليل أمام مبنى رئاسة جامعة أثينا، في حين اتخذ الطلاب مبادرات مماثلة في مدن أخرى مثل سالونيك وإيوانِّنا وغيرها. حيث وحَّدَ طلاب اليونان صوتهم مع أصوات آلاف الطلاب حول العالم، ممن يقفون على الجانب الصحيح من التاريخ بكفاحهم ضد جريمة “دولة إسرائيل” القاتلة وإعرابهم عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

وبتاريخ 13-05-2024، باغَتَ أعضاء للحزب الشيوعي اليوناني أجهزة الدولة وتواجدوا أمام بوابة السفارة الإسرائيلية حيث نظموا احتجاجاً، باعثين برسالة إدانة ضد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وهتفوا “الحرية لِفلسطين”.

وتجدر الإشارة إلى أنّ حزب “ميرا 25 ” اليساري بقيادة وزير المالية الأسبق “يانيس فاروفاكيس” أعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وجراء موقفه منعته السلطات الألمانية بتاريخ 15-04-2024 من دخول أراضيها للمشاركة في مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين.

وتحظى فلسطين بدعم من حزب “اليسار الجديد”، وحزب “اندرسيا” اليساري وأحزاب يسارية أخرى، وكذلك أجبرت الإبادة الإسرائيلية في غزة وعمليات الاغتيال التي ترتكبها في الضفة الغربية، حزب تحالف اليسار الراديكالي “سيريزا” على تغيير خطابه السياسي وكذلك حزب باسوك الاشتراكي، واللذين لا يزالان يشددان على أهمية محاربة “الإرهاب” حركة حماس حسب رأيهم.

وبتاريخ 26-05-2025 زار رئيس حزب سيريزا “ستفانوس كاسيلاكيس” رام الله حيث أكّد على العلاقات التاريخية بين اليونان وفلسطين، مشدداً على أهمية إحلال الأمن والسلام في المنطقة، من خلال الضغط الدولي، لإيجاد حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية، مع ضرورة فتح آفاق العمل المشترك بين اليونان وفلسطين في مختلف المجالات.

المظاهرات الأوروبية المتضامنة مع فلسطين 

لم تبخل القوى اليسارية والاجتماعية والطلابية والنقابية الأوروبية في القارة العجوز في دعم القضية الفلسطينية منذ عام 1948، وكان موقف المفكرين الأوروبيين دائماً إلى جانب الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة في بناء دولتهم المستقلة، فيما تحول الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين مع مرور الزمن من مأساة إلى مأساة يعاني منها فقط الشعب الفلسطيني من دون اكتراث ما يسمى المجتمع الدولي بما يحدث في فلسطين.

وتشهد الدول الأوروبية موجة عارمة من التحركات السياسية والطلابية والنقابية يشارك فيها الآلاف احتجاجاً على الجرائم الوحشية التي تقوم بها “إسرائيل” في حق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. 

وحسب المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام Epal، نظمت أكثر من 15200 مظاهــــرة مؤيدة لفلسطين في القارة الأوروبية، موزعة على امتداد نحو 568 مدينة، في 18 بلداً أوروبياً، ماعدا بريطانيا التي شهدت هي الأخرى مظاهرات مكثفة ومميزة مساندة للحق الفلسطيني، مما يؤشر بوضوح إلى تزايد الزخم الشعبي والحضور الجماهيري الداعم للقضية الفلسطينية في أوروبا، مع وقع ارتفاع حدة المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى.

وحصلت ألمانيا على الرقم الأعلى حيث نظمت 2300 فعالية مؤيدة لفلسطين في 103 مدينة ألمانية، فيما شهدت إسبانيا تنظيم 2200 مسيرة مؤيدة لغزة في 116 مدينة.  كما تم تنظيم قرابة 2000 مسيرة احتجاجية في 100 مدينة فرنسية. وتم تنظيم 1500 فعالية موزعة على 100 مدينة في ايطاليا، 1200 في السويد، 1150 فعالية في الدنمارك و1000 في هولندا، ومئات الفعاليات والتظاهرات الأخرى في جميع أنحاء أوروبا.

ولم يقتصر الدعم لفلسطين عبر المظاهرات، بل طرقت باب البرلمان الأوروبي حينما أقدمت رئاسة البرلمان الأوروبي على طرد نائب إسباني من الجلسة لارتدائه كوفية فلسطينية، واندلعت الفوضى في البرلمان الأوروبي، حيث مُنع عضو البرلمان الأوروبي الإسباني من اليسار المتحد مانو بينيدا من ارتداء الكوفية الفلسطينية خلال جلسة البرلمان، التي عُقدت لبحث الأوضاع في غزة بعد قصف مستشفى المعمداني.

وهاجم بينيدا رئاسة البرلمان لعدم السماح له بارتداء غطاء الرأس أثناء خطابه حول الحرب بين “إسرائيل” وحماس. ووفقاً لبينيدا، كان ذلك عملاً من أعمال “الرقابة” و”الاعتداء على حرية التعبير”.

وأضاف بالنسبة لليساريين “الكوفية هي رمز ثقافي فلسطيني. إنها ليست دعاية، ولا تحمل أي علم”، وشدد بينيدا على أنه “لا يوجد سبب أو قاعدة” تمنع عرض هذا الرمز.

واستنكر بينيدا، الذي يرأس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وفلسطين، ذلك أن “اللوبي الصهيوني ومخالبه يحاولون إسكات التضامن مع فلسطين، لكنهم لن ينجحوا”.

وفي فرنسا، أعلنت ماتيلد بانو رئيسة الكتلة النيابية لحزب “فرنسا الأبيّة” (يسار راديكالي) في البرلمان الفرنسي عن قيام الشرطة باستدعائها إلى التحقيق على خلفية “تمجيد الإرهاب” فُتح إثر بيان نشرته الكتلة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) يوم تنفيذ حركة “حماس” هجوماً غير مسبوق على “إسرائيل”.

وقالت بانو في بيان: “هي المرّة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة التي يتمّ فيها استدعاء رئيسة لكتلة من المعارضة في الجمعية الوطنية لسبب بهذه الخطورة”.

وفي السابع من أكتوبر، نشرت الكتلة البرلمانية لحزب “فرنسا الأبيّة” نصّاً وازن بين هجوم “حماس” بعدّه “هجوماً مسلّحاً لقوّات فلسطينية” و”تشديد سياسة الاحتلال الإسرائيلي” في الأراضي الفلسطينية.

وأتى إعلان بانو بعد أربعة أيّام من كشف ريما حسن المرشّحة للانتخابات الأوروبية على قائمة “فرنسا الأبيّة”، تلقّيها مذكّرة استدعاء من الشرطة القضائية على خلفية “تمجيد الإرهاب”.

ويندّد حزب “فرنسا الأبيّة” باستغلال القضاء لمصالح خاصة، مؤكّداً أن السلطات تجعله يدفع ثمن دعمه للفلسطينيين وتوصيفه الوضع في غزة بـ” الإبادة الجماعية”.

خاتمة 

كلّ ما سبق يكشف الانقسام الحاد بين المفوضية الأوروبية التي أدانت بالاجماع عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس، وجزء كبير من الرأي العام الأوروبي سيما جيل الشباب. وأظهر أن المؤسسات الأوروبية وبالرغم من محاولة تلطيف موقفها الإنساني ازاء الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة وعودة الأسرى الإسرائيليين، اعتمدت معايير مزدوجة عبر تقديمها الدعم الكامل على المستوى الدبلوماسي والعسكري لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وغضّ الطرف عن الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني التي ترتكبها حكومة الحرب الإسرائيلية، واستخدامها لشعار “معاداة السامية” في حربها الإعلامية والسياسية والقضائية بحق كلّ مواطن أوروبي أو مغترب عربي وأجنبي ممن يصدحون بشعار “فلسطين حرة “، وذكرونا أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الرئيسية الأولى، وأن القادة المستقبليين الذين يدرسون اليوم في الجامعات الأوروبية سوف يستلمون دفة الحكم، لربما في المدى المتوسط  ليلعبوا دوراً أكثر فعالية لجهة التوصل لحلّ شامل للقضية الفلسطينية يضمن حق الشعب فلسطيني في تقرير مصيره الوطني بعيداً عن عوامل التدخل في نضاله وكفاحه.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]