انقلاب عسكري فاشل… بوليفيا تنتصر لديمقراطيتها

لطالما كانت منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي محط نظر للإمبريالية الأميركية، حيث تعتبرها الفناء الخلفي لها، فمنذ منتصف السبعينيات قامت الولايات المتحدة بتمويل ودعم العديد من الانقلابات الدموية من خلال عملية كوندور التي تستهدف الأفكار اليسارية وانتشارها، وهي حملة مستمرة حتى يومنا هذا، وذلك لضمان سرقة مواردها الطبيعية.

بوليفيا الواقعة في أميركا الجنوبية، واحدة من أغنى الدول في القارة، ليس فقط بالتعددية الاثنية، والسكان الأصليين المحافظين حتى اليوم على ارتباطهم الوثيق بالأرض والموارد الطبيعية، بل هي أغنى دولة في العالم في مخزون الليثيوم الذي يعد اليوم المصدر الأول لبدائل المشتقات النفطية وغيرها من المعادن الثمينة.

في 26 حزيران/ يونيو 2024، فاجأ قائد الجيش الجنرال خوان زونيغا الجميع باستدعائه الجيش لمحاصرة القصر الرئاسي وذلك خلال اجتماع وزاري برئاسة الرئيس اليساري لويس آرسي، حيث اقتحمت القوات القصر، وما أن انتشر الخبر حتى أدان الرئيس السابق إيفو موراليس، وزعيم الحركة الاشتراكية، محاولة الانقلاب وكتب تغريدة على حسابه يدعو فيها الحركات الشعبية والنقابية للدفاع عن الديمقراطية، وخلال أقل من ساعة تجمع الآلاف من السكان في العاصمة حول القصر الرئاسي، ونذكر أن هذا الانقلاب هو الثاني خلال أقل من خمس سنوات.

الأمر اللافت للنظر هو شجاعة الرئيس لويس آرسي (من نفس حزب إيفو موراليس) في مواجهة الجنرال وجهاً لوجه وأمره بأن يسحب القوات العسكرية لثكناتها على الفور، كانت لحظة مؤثرة فقد أثبت انه قائد حقيقي لا يترك سفينته تغرق وهو دونها، لاحظنا ملامح وجه الجنرال المنقلب التي كان يسودها التوتر والخوف من بسالة الرئيس في الدفاع عن الديمقراطية، حيث صرخ في وجهه:” لا تستمر بارتكاب الحماقات، لا أحد يستطيع أن يسلب منا ديمقراطيتنا”.

وقد أعلن الجنرال زونيغا في أول ساعة من محاولته الفاشلة للانقلاب على الديمقراطية، أن القوات ستتحرك إلى السجن لتحرير “السجناء السياسيين”؛ كجانين انيز وفيرناندو كاماتشو وغيرهم الذين سُجنوا بتهمة الانقلاب ضد إيفو موراليس. المثير للسخرية أن جانين انيز أعلنت لاحقاً أنها ضد الانقلاب وأنها مع التغيير الديمقراطي.

الانقلاب لم يدم أكثر من أربع ساعات على أكبر تقدير حيث أن الشرطة المحلية دافعت عن القصر بشجاعة عالية، ودعا إيفو موراليس للتعبئة الشعبية، وأعلنت العديد من المنظمات الجماهيرية والعمالية دعمها للرئيس المنتخب، وفي نفس الوقت عين الرئيس آرسي خلال مؤتمر صحفي أمام المدعي العام قادة جدد للجيش حيث أمروا القوات بالتراجع إلى الثكنات العسكرية، وانسحبت بالفعل إلى ثكناتها وسط توافد المزيد من البوليفيين إلى منطقة القصر الرئاسي خلال عزف النشيد الوطني البوليفي. وحاول بعدها الجنرال الفرار خارج البلاد، لكن تم إلقاء القبض عليه والآن سيواجه مصيره.

لاقت هذه المحاولة للانقلاب على الديمقراطية العديد من خطابات الشجب والاستنكار من العديد من الدول والحركات الأممية، وتم الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمنظمة السيلاك (community of latin American and Caribbean States )، لمناقشة ظروف الانقلاب وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

هل يقود “فلول الإخوان” السودان إلى الحرب الأهلية

برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.

ترامب ومخاطر استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية العربية

تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.

[zeno_font_resizer]