المنسق العام للقاء اليساري العربي د. سمير دياب في حوار خاص مع «تقدُّم»
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
إدواردو ساغاروه، مثال حيّ عن الطبيب الثوري الذي استخدم الطب والعلوم كمنصة احترف من خلالها العمل الثوري، ووضع وقدَّم، حسب تعبيره، ذرة رمل صغيرة في مشروع الثورة الكوبية المجيدة.
إدواردو حفيد أحد الشهداء الكوبيين الذين استشهدوا مع رمز الحرية الكوبي خوسيه مارتيه خلال حرب الاستقلال ضد الاستعمار الإسباني، ووالده أحد الثوريين الذين نشأوا خلال العمل السري ضمن حركة 26 يوليو، بعبارات أخرى هو ثوري أباً عن جد.
عمل ساغاروه في الأرياف الكوبية ضمن خدمته الاجتماعية بعد تخرجه كطبيب، حتى عُرض عليه من خلال أحد أساتذته منحة لدراسة اختصاص الأمراض الهضمية للأطفال في بريطانيا، حيث أنه كان يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة. اهتمامه في بنائه العلمي، حيث أنه يرى أن التطوير الذاتي بالضرورة هو تطوير للمؤسسة عدا عن ثوريته، لفت نظر الحزب الشيوعي الكوبي ووزارة الداخلية الكوبية – عدا عن كونه رفيقا في صفوف الحزب – ودون الدخول في التفاصيل – ربما لاحقاً نوردها في مقال آخر- جرى تجنيده قبل إرساله إلى المنحة.
كما عبَّرت سابقاً احترافه مهنة الطب وبراعته فيها مهدت له الطريق الذي سوف يسلكه بطلنا لاحقاً.
ما سبق من مقدمة ستكون مهمة لما ما سنتحدث عنه لاحقاً لمعرفة السياق التاريخي والفكري الذي ساق بطلنا لهذا الطريق، قمت بزيارة الرفيق إدواردو، أو الأستاذ كما يحب أن نناديه، وأجرينا معه هذه المقابلة لنتحدث عن حركة 26 يوليو حيث أن بنظري؛ الإنسان هو عبارة عن تراكمات ذاتية وموضوعية وهي من تشكلنا داخل منظماتنا أو مجتمعاتنا.
إدواردو ساغاروه: بداية علينا أن نبدأ لأقول إنه في مرحلة جديدة في تاريخ كوبا، كانت هناك حرب الاستقلال من 1895 إلى 1898، حيث أن جنرالا إسبانيا يدعى ويلر، كان جزاراً شبيهاً بنتنياهو، قام بما يسمى إعادة التركيز، وكان الهدف من إعادة التركيز هو حرمان جيش التحرير الوطني من الإمدادات الغذائية الكوبية بجلب جميع سكان الريف إلى المدن حتى وإن ماتوا من الجوع، وبالفعل قد مات أكثر من نصف سكان كوبا في تلك المرحلة، ولكن عندما كان الجيش على وشك الانتصار، قدِم الأميركيون، وكان في حينه خوسيه مارتي قد حذر بالفعل من هذا الخطر.
الأميركيون عندما وصلوا للشواطئ الكوبية، نزلوا عام 1898 بمساعدة قوة جيش التحرير الكوبي، المسمَّى بجيش المامبيز، دون دعم المامبيز على الأرض، – لولا ذلك كان من الصعب جداً على الأميركيين أن ينجحوا بالإنزال-. الأميركيون توصلوا ببساطة إلى اتفاق مع إسبانيا، وانسحبت القوات الإسبانية وأصبحت كوبا مستعمرة جديدة للولايات المتحدة، من عام 1902 إلى عام 1952، أي 50 عاماً من الحكومات البرجوازية المتعاقبة التي رعتها الإمبريالية، ولكن في أُطر مؤسساتية معينة، كانت هناك ديمقراطية زائفة، الانتخابات، كان هناك دستور، برلمان، إلخ…
ولكن في العاشر من مارس 1952، برز جنرال الجيش السابق فولجنسيو باتيستا زالديفار وبدافع من طموحاته الشخصية مع مجموعة من ضباط الجيش الذين قاموا بانقلاب عسكري قبل 90 يوماً من الانتخابات، والتي حطمت المؤسسات الكوبية وأسست لدكتاتورية دموية جديدة.
كما ذكرت سابقاً كان مدفوعاً بمصالحه الشخصية، لكنه وبنفس الوقت كان مدعوماً من الولايات المتحدة، بسبب احتياج الولايات المتحدة الأميركية للدعم من حكومة “قوية” خصوصاً في السياق السياسي حينها وعلاقتها بالحرب الكورية، عدا أنه كان عليهم ولأهداف سياسية، لست متأكداً من ذلك، تقييد محصول السكر، ولتقييد حصاد السكر، كان لا بد من تسريح مئات الآلاف من العمال الريفيين والصناعيين، وأكرر الحاجة إلى حكومة قوية لدعم الولايات المتحدة في حينه لتحقيق ذلك.
تلك الحكومة، كانت المثالية “بالنسبة للأميركيين”، لقد حكم باتيستا بالفعل لمدة 11 عاماً، قبل الانقلاب، كان اللص والقاتل المثالي، لقد قام بأعنف أعمال القمع التي عرفتها كوبا الجمهورية، والتي قام بها فولجنسيو باتيستا عام 1935 ضد أحد الإضرابات، ونفذ نفس الأساليب لاحقاً، عندما احتج الطلاب حيث انتظروهم، أولاً بخراطيم المياه العادمة، ثم بالعصي، وأخيراً بالرصاص، وتم قتل العديد من الطلاب، ومن عارض الخط السياسي لباتيستا، حتى الصحافيين حيث كان إذا تحدث أحدهم، كانوا يختطفونه ويرغموه على شرب لتراً من زيت الخروع، ليسبب له الحروق الداخلية، كي يكون عبرة لغيره من الصحافيين، في حينه كانت توجد العديد من المنظمات المختلفة والمعارضة لكنها لم تكن ثورية وكان لديها مال وسلاح.
نتيجة لهذا السياق التاريخي، كان هناك محام شاب، يُدعى فيديل كاسترو، الذي نظم حينها ما عُرف في البداية باسم “جيل المئوية”، نسبة لمئة عام على ميلاد خوسيه مارتيه، وقام سراً، باستخدام أسلحة خفيفة، أسلحة صيد، أسلحة ليست حربية، بالهجوم على ثكنات المونكادا في سانتياغو دي كوبا وثكنات كارلوس مانويل دي سيسبيديس في بايامو، في عملية يمكن أن نطلق عليها كوماندوز، حيث دخلوا الثكنات بشكل مفاجئ، وسيطروا على الجنود دون إراقة دماء تقريباً، واحتلوا الثكنات، وحاولوا توزيع الأسلحة على السكان، وببساطة مواجهة حكومة باتيستا، لكن وبسبب أحداث غير مخطط لها، فشل الهجوم، واضطر الثوار إلى الانسحاب وبدأت مذبحة بحق جميع من شاركوا في الهجوم وتم أسرهم كسجناء، الأمر الذي أصدره باتيستا أنه لا يريد جرحى ولا سجناء، بمعنى أن يتم قتل الجميع، وانتهى الأمر بعد ذلك، مع مجموعة صغيرة تمكنت من مغادرة مدينة سانتياغو دي كوبا وتسلق سييرا دي لا غران بيدرا، ولكن بعد أيام، وخلال عملية مفاجئة، تم القبض عليه، وأسره، وحوكم وأرسل إلى السجن في جزيرة بينو (جزيرة الشباب التابعة لكوبا).
أثناء المحاكمة، قدم عريضة دفاع، وبعد سنوات عديدة، وفي جامعات مختلفة، مُنح وسام ودكتوراه فخرية في العلوم القانونية، لأنه لم يسرد الجرائم فحسب، بل اقترح أيضاً برنامج الثورة، الذي طرح فيه حلولاً للمشاكل المختلفة التي كانت تعانيها البلاد في حينه، من الصحة، والتعليم، والسكن، والصناعة، وغيرها العديد من المشاكل. تُعرف هذه الوثيقة باسم “التاريخ سوف يُبرئني”. وهذا هو معنى 26 يوليو.
إدواردو ساغاروه: كما ذكرت سابقاً لقد كان جيل المئوية، الذي عُرف بالحركة، ولم يكن له حتى اسم، كانت تتشكل من المئات فقط، كانوا قد قاموا بتجنيد مجموعة كبيرة من الشباب الذين لا علاقة لهم بالسياسة سابقاً وتم تسليحهم بأسلحة ليست حربية، وتوجهت مجموعة مختارة منهم، من خيرتهم ومن معهم بنادق، لمهاجمة سانتياغو دي كوبا.
تشكلت حركة 26 يوليو “كحركة” بعد فترة ما يقرب من عامين من سجن فيديل، وعندما صدر عفو بسبب الضغط الشعبي، خرج إلى الشوارع مع المقاتلين الذين كانوا هناك، والذين تمكنوا من الهروب من الملاحقات والتضييقات البوليسية، والذين كانوا تحت الأرض أو في المنفى، وانضمت المجموعة التي خرجت من السجون إلى مجموعات ثورية وشبابية مختلفة، وتشكلت ما يسمى بحركة 26 يوليو.
إنَّ الأيدولوجية الأساسية في البرنامج كانت أيدولوجية وأفكار مارتي. وبعبارة أخرى، كان خوسيه مارتي “رسول” حرية واستقلال كوبا، والذي كان شاعراً وسياسياً وصحافياً، حيث كتب قصصاً للأطفال، وكان ثورياً، وسافر عبر أميركا اللاتينية، وسجنه المستعمرون الإسبان في البداية، ثم تم ترحيله إلى إسبانيا، وكان في المكسيك وغواتيمالا وفنزويلا وانتهى فيه الأمر في الولايات المتحدة.
قال مارتي إن الجمهورية لا يتم تأسيسها بالطريقة التي يتم بها تأسيس المعسكر، وقد صمم ثورة ديمقراطية شعبية، حيث كتب: القانون الأول هو قانون احترام كرامة الإنسان، وانه يريد أن يبني جمهورية ديمقراطية حيث يكون لكل شخص وظيفة، حيث يتم تنفيذ عملية ديمقراطية شعبية لصالح الجماهير الغفيرة، ومحو الأمية وتعليم القراءة والكتابة للفلاحين، وأن تكون ملكية الأرض للفلاحين، وما إلى ذلك.
وبما أنه عاش في الولايات المتحدة وكتب عدة كتب بعنوان مشاهد أميركا الشمالية، حيث قام بتحليل مجتمع أميركا الشمالية ورأى خطر ذلك البلد الذي كانت لديه إمبريالية ناشئة، مع قوة اقتصادية تحتاج إلى السيطرة على بلدان أميركا اللاتينية المنقسمة فيما بينها، وتصدير رؤوس أموالها للخارج واستغلال ثرواتها الطبيعية.
وكان لديه رؤية أميركية لاتينية للمشكلة، لقد أراد وحدة شعوب أميركا اللاتينية وقال إن كل ما فعله كان لمنع الولايات المتحدة، باستقلال كوبا، من السقوط بهذه القوة الجبارة على شعوب أميركا اللاتينية، بكلمات أخرى، كان مارتي مناهضاً للاستعمار، وكان مناهضاً للإمبريالية، وكان تقدمياً.
كان مارتي على علم بنضالات العمال في أوروبا، لكن مهمته لم تكن مهمة كارل ماركس، تحرير البروليتاريا من الرأسمالية، كانت مهمته هي جعل البلاد مستقلة وإنشاء جمهورية ديمقراطية شعبية في كوبا، بالإضافة إلى ذلك، المساعدة على استقلال بورتوريكو لتجنب التوسع في أميركا الشمالية من قبل الولايات المتحدة، لقد ترك مارتي تأثيراً كبيراً على الشباب الكوبي.
إدواردو ساغاروه: عندما حدثت المونكادا، كانت الثورة الروسية موجودة بالفعل، وكانت الأفكار الماركسية قد انتشرت في أميركا اللاتينية، ولكن هذا لا يعني أن الشباب الذين هاجموا المونكادا كانوا شيوعيين في ذلك الوقت، لكنهم كانوا يعرفون بوجود الماركسية واللينينية، وقد درسوها، وحتى أبيل سانتا ماريا، الذي كان الزعيم الثاني للحركة، قد وجدوا معه كتاباً لفلاديمير لينين وقال حينها عملاء باتيستا إن هذا دليل على اختراق الشيوعيين للحركة.
وفي محاكمة فيديل سأله القاضي: ما رأيك في ذلك؟ وكان جواب فيديل: إن أي شخص لا يقرأ لينين هو ببساطة غير متعلم، وهو لم يعلن عن نفسه أنه شيوعي أو ماركسي، لكنها كانت فكرة قيد التطوير.
إنَّ نفس تطور النضال ونفس الهجوم الإمبريالي سيؤديان إلى تطرف الثورة سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً. وبعد ذلك، من حركة تناضل ضد الإمبريالية، تتحول الثورة الزراعية المناهضة للإمبريالية إلى ثورة اشتراكية، فإن تطور الأحداث هو الذي يؤدي إلى الاشتراكية.
إدواردو ساغاروه: لقد كانت الثورة مناهضة للدوغمائية العقائدية، لأنها لم تكن حزباً يبحث عن ثورة، بل كانت ثورة تبحث عن حزب. ليس الأمر أن الأيديولوجية هي ما يؤدي إلى الانتفاضة، التي بدورها تقود إلى الثورة، في عمق تطور الثورة نفسها، التي أصبحت تدرك أنه لا يمكن إيقاف تطورها وسيرورتها حيث أنها عملية ثورة زراعية ومعادية للإمبريالية، وأنه لتحقيق التحرر الوطني يجب علينا القيام بالتحرر الاجتماعي.
ولهذا السبب، فإن هؤلاء الذين يعرفون الماركسية، التقوا لاحقاً في المكسيك برجل سافر عبر أميركا اللاتينية، والذي عرف جميع بلدان أميركا اللاتينية، وكان قبلها في غواتيمالا وشهد التدخلات والتفجيرات الإمبريالية حول مدينة غواتيمالا، الذي وصل سراً إلى المكسيك، وكان بالمناسبة طبيباً، الذي التقى بأحد مقاتلي المونكادا وأخذه إلى حيث كان فيديل كاسترو، كان ذلك الرجل هو إرنستو جيفارا، المعروف لدى الكوبيين باسم تشي.
لقد تلقى إرنستو جيفارا بالفعل تدريباً ماركسياً ودرس النصوص الماركسية بعمق، وهناك نسخ مصورة لنصوص كارل ماركس وفريدريك إنجلز ولينين، مع ملاحظات جيفارا في الهوامش.
وبتقديري هو من كان له تأثيراً أيديولوجياً على الحركة الثورية الكوبية، بالإضافة إلى ذلك، الحركة كانت أرضاً خصبة لذلك، لأن فيديل وأبيل سانتاماريا قد درسوا الدولة والثورة للينين، كانوا في اشتراكية أولية، في الخطوات الأولى لبناء الاشتراكية، من خلال الثورة، ثم، لاحقاً، تعمقت هذه الثورة وفي إطار الوضع الدولي الذي كان سائداً في ذلك الوقت، لأن كوبا لم تكن معزولة عن الأحداث العالمية، كان الانتصار بمثابة كارثة للولايات المتحدة الأميركية، في خضم الحرب الباردة ضد المعسكر الاشتراكي.
إدواردو ساغاروه: نعم ساعدت، وشكلت أحد عوامل النجاح، لأنه كان هناك مجموعة من المقاتلين، المجموعة الأكثر أهمية، أهم نواة للحركة، مسجونين ومحكوم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين 16 إلى 20 عاماً، ومن بينهم فيديل وخوان ألميدا وغيرهم من المقاتلين الآخرين، وحينها شعر باتيستا بالقوة وأراد أن يعطي مظهراً من مظاهر الديمقراطية والحرية واقترح العفو العام، لكن العفو لم يشمل مقاتلي المونكادا، وظهرت حينها حركة شعبية كردة فعل في جميع أنحاء الجزيرة، حيث كان الشعار أنه لا يمكن أن يكون هناك عفو إذا لم يتم إطلاق سراح مقاتلي المونكادا.
من ناحية أخرى، تم تداول كلمات دفاع فيديل “التاريخ سيُبرئني”، وتم تداوله سراً في جميع أنحاء الجزيرة، أتذكر أنه كان هناك بائع صحف يمر من شارعنا يرمي لنا إحدى الصحف ملفوفة، في الصحيفة كان يرسل لنا فصول “التاريخ سيُبرئني”، وهكذا تم تداولها، من منزل لآخر ومن عائلة لأخرى، بنفس الوقت كنا قد شكلنا ما يسمى بالسندات، وكانت تحصيلات مالية لمساعدة الأسرى، وتطورت الحركة سياسياً على المستوى الوطني، وحينها أراد باتيستا إعطاء صورة الحرية، قبيل الانتخابات وقتها، وقام بإطلاق سراح المقاتلين.
إدواردو ساغاروه: عندما غادر مقاتلو المونكادا السجن، انضموا بشكل أساسي إلى حركة أخرى كانت موجودة، وهي الحركة القومية الثورية (MNR)، التي كانت لها استراتيجية مختلفة عن استراتيجية مونكادا.
وهنا كان الخلاف؟ حيث قال السياسيون التقليديون وقيادة الحركة القومية الثورية إنه لا يمكن القيام بثورة ضد الجيش، وإن الثورة يجب أن تكون مع الجيش أو بدونه، ولكن لا يمكن أن تكون ضده.
ومع ذلك، فإن هؤلاء الثوريين، وأشير هنا إلى مقاتلي المونكادا وشباب الحركة الوطنية الثورية، اتحدوا فيما بينهم لأنهم كانوا يدركون أن الجيش هو منظمة قمعية، تمثل مصالح الشركات الكبرى في أميركا الشمالية التي تمتلك الأرض والسكك الحديدية، ومحطة الطاقة الحرارية وشركة الهاتف، بالإضافة إلى البرجوازية العليا الكوبية التي دعمت تلك المصالح واقترحت ما أرادته القيادة السياسية للحركة القومية الثورية، وهو التآمر مع ضباط الجيش لإزالة باتيستا، وهؤلاء الشباب أي أن مهاجمي المونكادا وشباب الحركة الوطنية الثورية والعديد من الشباب الذين جندوهم أرادوا، عكس ذلك، القيام بثورة شعبية، وتشكيل خلايا سرية في جميع أنحاء البلاد، وإعلان حرب العصابات في الحضر والريف على حد سواء، وفي سياق النضال، إطلاق شعار الإضراب العام للإطاحة بالحكومة وبالتالي الاستيلاء على السلطة والقيام بالثورة.
إدواردو ساغاروه: مقاتلو مونكادا وشباب الحركة الوطنية الثورية وغيرهم من المقاتلين الذين كانوا معزولين وقد شعروا انهم بلا أفق وبدون منظمة تُمركز عملهم، اتحدوا وفي دستور الاتحاد، قرروا تسمية هذه المنظمة الوليدة بالحركة الثورية 26 يوليو، تُنشئ حركة 26 يوليو قيادة وطنية في كوبا وتغادر مجموعة من المقاتلين مع فيديل للتدريب في المكسيك وتعود عندما تكون الظروف مناسبة لتبدأ حرب عصابات.
إدواردو ساغاروه: لقد تمكنوا في المكسيك، بعد تضحيات ومشاكل لا حصر لها، من تدريب فرقة على حرب العصابات، دربها جنرال جمهوري إسباني قاد الثوار ضد فرانكو، وقاموا بتشكيل فرقة، وحصلوا على الأسلحة، وقطعوا وعداً لشعب كوبا، وهو أننا سنكون أحراراً أو سنكون شهداء في عام 1956، أي قبل نهاية العام.
بالتوازي مع ذلك، كانت هناك منظمات سرية في جميع أنحاء البلاد، ولكن بموارد قليلة، باستثناء سانتياغو دي كوبا، حيث انضمت إليها مجموعة مهمة من الثوريين من منظمة تدعى “فعل الحرية”، والتي تواصل معها أعضاء 26 يوليو، والتقوا في سانتياغو، مع زعيم تلك المنظمة، الذي كان شاباً يبلغ من العمر 22 عاماً يدعى فرانك باييس، لينضم لاحقاً إلى 26 يوليو.
بمعنى آخر، انضم فرانك إلى الحركة مع منظمته، وكان فرانك يملك الأسلحة، وقد حصل عليها بوسائل مختلفة وكان لديه ما يكفي من الأسلحة ليتمكن من دعم الإنزال، الذي كان المخطط له أنه عندما يغادر اليخت من المكسيك، يتم حساب الوقت الذي يستغرق فيه وصول الفرقة التي تتكون من 82 مقاتلاً من توكسبان، في المكسيك، إلى نقطة الإنزال، لأن جيش باتيستا اعتقد أن منطقة الإنزال كانت بينار دي ريو (أقرب نقطة في كوبا للمكسيك)، وأن الهجوم سيكون عبر بينار دي ريو وفعلوا العكس وذهبوا إلى أبعد نقطة، واعتقدوا أن الوقت المستغرق من توكسبان إلى نيكيرو، في أقصى الشرق، هو خمسة أيام.
إدواردو ساغاروه: الرحلة لم تستغرق خمسة أيام، بل سبعة، لأنه كانت هناك عاصفة في البحر الكاريبي، وأحد محركات اليخت قد تعطل، وفرانك نفذ وعده، وفي صبيحة اليوم الخامس نفذ الهجوم حسب المتفق عليه، بمعنى آخر، العملية لم تتزامن، أرادوا أن يتزامن الإنزال مع الهجوم، لكن ما حدث أن فرانك هاجم قبل الإنزال بيومين، وهذا نبه قوات العدو إلى وجود مشكلة، وانتظروا أفراد الفرقة، الذين كانوا مبتدئين، وقد تفاجأوا وتفرقوا، وتم القبض على مجموعة وقُتلت مجموعة أخرى وبقي 12 ناجياً في الجبال.
هؤلاء الناجون الـ12، بدعم من فرانك الذي كان مسؤولاً، أرسل فرانك سيليا سانشيز، التي كانت من منظمي حركة 26 يوليو تحت الأرض، إلى تلك المجموعة من رجال حرب العصابات بالإمدادات من طعام وملابس وألحفة ومعاطف وأحذية وأدوية وحتى الأسلحة والمقاتلين.
أما الثوار الذين كُشفوا للجهاز القمعي خلال العمل السري كانوا يُرسلون إلى سييرا مايسترا، وهكذا تزايدت المجموعة وبدأت أولى انتصارات حرب العصابات في سييرا مايسترا.
لماذا اتخذت حركة 26 يوليو الكفاح المسلح طريقاً لها؟
إدواردو ساغاروه: لأن المسار المؤسسي بأكمله كان مغلقاً، واقترحوا أنه للتغلب على المشكلة، لا بد من إجراء انتخابات بدون باتيستا، لأن باتيستا انتهك الدستور ومؤسساته والمؤسساتية بشكل كامل، والجميع كان يعلم أن باتيستا لن يتخلى عن السلطة، بل على العكس من ذلك، كان يزيد من القمع.
لم يكن هناك مخرج، وإن ذهبوا إلى الانتخابات كانوا سيخسرونها مسبقاً لأن الآخر كان سيزور النتائج، وسيقمع وسيقتل الناس، لقد كان الأمر سخيفاً، لقد كانت الطريقة الوحيدة، وتسألني لماذا؟ لأنها كانت الطريقة الوحيدة، كما نطلق عليها، وهي لأن السياسيين التقليديين الذين عارضوا باتيستا أرادوا ببساطة، كما قلت لك، أن يتآمروا مع الجيش لإزالة باتيستا، لكن الحركة قالت لا، إن ما يجب القيام به هو ثورة شعبية، وأن الشعب الكوبي سيطيح بباتيستا، وأن الحرب سينتصر فيها الشعب، وليس العساكر غير الراضين والذين كانوا معدودين.
إدواردو ساغاروه: حسناً، أول شيء هو أنه بعد عامين من النضال، والقتال في الجبال، في حلقة من حلقات الثورة سُميت بالغزو، الذي كان سيراً على الأقدام، عبَر التشي وكاميلو سينفويغوس نصف الجزيرة، وقطعوا الاتصالات، وفيديل زاد عدد قواته، وحاصر سانتياغو دي كوبا، وهزم الجيش.
هزمت “قِلة قليلة” من ألفي رجل الجيش الذي دربه الأميركيون، كيف يعقل ذلك؟ بأسلحة أميركية؟
لأنهم انتصروا في المعركة السياسية ضد الجيش، كانت معنويات الجيش محبطة لأنهم عندما كانوا يقعون في الأسر عند الجيش الثوري، كان يُقال لهم: سَلِموا أسلحتكم وارجعوا إلى بيوتكم، ودعاية نظام باتيستا كانت عكس ذلك حيث أُخبروا أن مجموعة من المخربين والهمجيين سيقومون بقتلهم جميعاً، لأن الدعاية كانت تشير إلى أنهم جميعاً سيُقتلون، لكن هذه الدعاية أُحبطت وما حدث هو عكس ذلك تماماً.
والجنود المحررون كانوا يذهبون إلى الثكنات ويقولون للآخرين: لا تقتلوا أنفسكم من أجل لا شيء، إذا كان ما يريدونه هو السلاح، أعطوهم السلاح وارجعوا إلى بيوتكم، لقد قاموا بتحطيم معنويات الجيش، بالإضافة إلى الدعم الشعبي، وكل ذلك بالإضافة إلى الانتصارات العسكرية للجيش الثوري، بالإضافة إلى استراتيجية الإضرابات، وأخبار هزيمة جيش النظام. وببساطة 2000 رجل، نزعوا سلاح 60 ألفاً، وكان وقتها النظام قد فاز بالانتخابات بنسبة بلغت 98%.
اكتسبت حركة 26 يوليو تدريجياً أتباعاً ومتعاطفين ومناضلين وأصبحت القوة الرائدة الرئيسية، ولكن الآن نشأت مشكلة، ما العمل؟ هل كان الأمر يتعلق فقط بإقامة دولة ديمقراطية أم برجوازية؟ أم علينا أن نكسر البنية الإقطاعية التي كانت سائدة في الريف وأن نحرر الفلاحين من استغلال ملاك الأراضي، الذين كانوا إقطاعيين حقيقيين في كوبا؟ بمعنى آخر، إجراء إصلاح زراعي.
والآن، من كان مالك الأراضي الرئيسي؟ كانت شركات أميركا الشمالية هي التي تملك أفضل الأراضي، وأفضل مصانع السكر، والمناجم، وعملياً كانت تملك كل الموارد، ومن ثم تطورت هذه المشكلة السياسية، إلى صراع سياسي بين اليسار واليمين.
كان هناك بعض القادة الذين ذهبوا إلى اليمين، لكن النواة القيادية العظمى ذهبت إلى اليسار، مسترشدة بالحاجة إلى تنفيذ الإصلاح الزراعي، أي تأميم تلك الأراضي، وتلك الشركات الأميركية، والبنوك، وجعلها ملكية كوبية ومن ثم تطويرهم للبلاد.
الآن، في الوقت نفسه، كانت هناك منظمتان ثوريتان للأقليات، وهما “الإدارة الثورية 13 مارس”، والتي كانت في الأساس منظمة حضرية وطلابية، مع بعض المشاركة من المهنيين والعمال وغيرهم، و”الحزب الاشتراكي الشعبي”، وتتحد التنظيمات الثلاثة فيما سيسمَّى لاحقاً بالتنظيمات الثورية المتكاملة، لتتطور عملية التحرر الوطني.
التحرر الوطني، كما قلت لك، كان يعني تأميم البنوك، والمناجم، والسكك الحديدية، والكهرباء، والهواتف، والخدمات العامة، والأراضي، ومصانع السكر، وكل ذلك، حيث كانت هناك قوى دافعة للثورة، والتي من خلال تلك السياسة حصلت على دعم الطبقات الشعبية، أي الفلاحين والعمال والمهنيين والبرجوازية الصغيرة.
ولكن كانت هناك أيضاً هياكل وكيانات استجابت لمصالح الولايات المتحدة، من الذين تأثروا بتخفيض الإيجارات، ومن تأثروا بالإصلاح الزراعي، ومن تأثروا بالإجراءات الثورية، ومن ثم تطورت عملية المواجهة الطويلة بين قوى اليسار وقوى اليمين، والتي أدت إلى هزيمة قوى اليمين أيضاً بمرور الوقت.
ما هي أهم هزيمة تعرضت لها الإمبريالية في السنوات الأولى؟ التي ستغيّر البانوراما. حسناً! ببساطة، الولايات المتحدة قامت بجمع كل الرجعيين، أصحاب محطات الطاقة، أصحاب شركات الأدوية، أبناء الأغنياء، أولئك الذين لديهم ممتلكات كبيرة في الوطن، وكل أولئك الذين هاجروا، وقامت بتجنيدهم وأرسلتهم إلى غواتيمالا لتدريبهم وتكوين وحدة عسكرية من لواء بأسلحة تتوافق مع فرقة من جيش الولايات المتحدة، بهدف غزو كوبا في نقطة بعيدة عن العاصمة، لمنع وصول الثوار إليها.
الهدف الأساس كان أن تصل تلك القوات إلى ذلك الإقليم في كوبا، لتسيطر على جزء منه عسكرياً لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، ويتم حينها تشكيل حكومة تطلب تدخل الولايات المتحدة ومنظمة الدول الأميركية التابعة للاتحاد الأوروبي.
ولهذا السبب كانت المصلحة الاستراتيجية تقضي بهزيمة ذلك الغزو في 72 ساعة، لقد هاجموا من خلال نقطة على الساحل الجنوبي، في خليج الخنازير، عبر شاطئ لارغا وشاطئ خيرون، بهدف السيطرة على تلك القطعة من الأرض، حيث لا يوجد سوى طريقين يمكن الوصول إليهما، وفيهما بلدة ذات مطار صغير حيث يمكنهم الحصول على الإمدادات.
لقد كانوا مدعومين من قبل القوات البحرية لقوات مشاة البحرية الأميركية وكان لديهم طيران، بشكل أساسي مع طيارين من جيش باتيستا، تفوق الموارد التي كانت تمتلكها البلاد في الطيران العسكري.
بعد ذلك، كما هي العادة في كل الاعتداءات الإمبريالية، وبشكل مفاجئ في ساعات الصباح، نُفذت ثلاث غارات حيث قصفت أهم ثلاث قواعد للطيران الثوري: سيوداد ليبرتاد في هافانا، وسانتياغو دي كوبا، وسان أنطونيو دي لوس بانيوس، وكانوا قد خططوا لتنفيذ القصف لتدمير الطائرات على الأرض، نفس طريقة الهجوم الذي فعله النازيون في الاتحاد السوفييتي، حيث دمروا الطائرات على الأرض، وسيطروا على الجو، لكنهم فشلوا، لأنه في كل من تلك المطارات العسكرية كانت توجد مدفعية مضادة للطائرات، حيث انه منذ ستة أشهر تقريباً، تم استلام أسلحة، قادمة من تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي والصين، من بينها مدفعية مضادة للطائرات، وفشل الهجوم.
كينيدي حينها كان قد صرح أن هذا هو انتفاضة داخلية، وكان لا بد من متابعة الهجوم، قبل مرور 48 ساعة من الهجوم الأول، لكن كانت هناك فضيحة في الأمم المتحدة، لأنه تبين أن الطائرات التي قامت بالهجوم جاءت من الأراضي الأميركية ونيكاراغوا، وأن ذلك كان عدواناً وليس انتفاضة داخلية كما زعمت الولايات المتحدة.
ثم قرر كينيدي عدم القيام بالهجوم الثاني لتجنب الفضيحة في الأمم المتحدة، حيث أدان وزير الخارجية الكوبي العدوان المدعوم أميركياً كما أدان الاتحاد السوفييتي، وجميع الدول التقدمية العدوان في ذلك الوقت.
لقد فشل الهجوم، حيث أن المعتدين قد استسلموا بشكل جماعي، وأسلحتهم كانت ما تزال سليمة، لأنهم ظنوا أنهم سيصلون، وسيبقون هناك لمدة 72 ساعة، وسيأتي الأميركيون، ولن يحدث أي شيء آخر. لكنهم تفاجأوا بعكس ذلك، فقد واجهوا كتيبة تلو الأخرى، تهاجمهم ببطاريات الهاون، ومدافع الـ 120 ، والدبابات، فاستسلموا جماعياً وانهزموا. وفي تلك اللحظة نفسها تم إعلان الطابع الاشتراكي للثورة.
ما هو تأثير انتصار معركة هيرون هذا على الثورة الكوبية؟
إدواردو ساغاروه: كانت أول هزيمة كبرى للولايات المتحدة في أميركا، حيث بدت الولايات المتحدة وكأنها قوة لا يمكن هزيمتها على يد شعوب أميركا اللاتينية، التي كانت تتمتع بتفوق عسكري كبير يجعل من المستحيل هزيمتها على يد شعوب أميركا اللاتينية.
وكان التأثير هو تحقيق نصر ساحق في غضون 72 ساعة وإنزال هزيمة ساحقة بسفن الأسطول الأميركي، وإغراقها بواسطة الطائرات الكوبية القليلة المتبقية، بمعنى آخر، غرقت السفن بكل أسلحتها، بكل ما حملته من وقود لدعم تلك القوة، مع عدة كتائب لم تتمكن من الوصول، قفز الجنود في الماء ووصلوا غير منظمين إلى الشاطئ.
تم إجراء عدد كبير من المقابلات التطوعية مع المرتزقة على شاشة التلفزيون من قبل لجنة من الصحافيين، حيث تبين أن الغزاة كانوا ضد شعب كوبا، وحدثت ظاهرتان؛ تم احتجازهم في المدينة الرياضية وفي إحدى الليالي ظهر فيديل وأجرى معهم حوارا نقل بشكل مباشر للشعب الكوبي، وكان هذا له تأثيره الكبير على الشعب الكوبي، لقد كانت أول هزيمة كبيرة، لقد تم سحقهم بشكل مخجل، الأمر الآخر هو أن حكومة الولايات المتحدة لم يكن أمامها سوى خيار القبول بأن الشخص المسؤول عن ذلك الغزو الفاشل هو رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وهو كينيدي.
إدواردو ساغاروه: منذ اللحظات الأولى للثورة، قررت كوبا مساعدة الحركات الثورية، فأرسلت سفناً محملة بالأسلحة من جيش باتيستا إلى الجزائر لتسليمها إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكان هناك أشكال أخرى للدعم، ولكن كان هناك أيضاً دعم للثوريين الفنزويليين والبوليفيين والبيرويين والغواتيماليين.
وكان هناك عالم أبعد عنا، ولكنه يحظى بتعاطف مماثل، وهو العالم الأفريقي وعالم الشرق الأوسط، الذي شاركنا أيضاً في نضالات التحرر الوطني فيه، لقد كانوا حلفاء طبيعيين لنا، ومن بين الحلفاء الطبيعيين هناك الشعوب العربية، وهنا كان اليمن، الجزائر، وسوريا. ودعمنا حركات التحرر الوطني في العالم العربي، وكانت فلسطين جزءاً من هذا العالم.
لقد بدأنا نتعرف على ذلك العالم، الذي كان بعيداً ومجهولًا أكثر بالنسبة لنا من أميركا اللاتينية، ولكن كان هناك تعاطف مع كل من يناضل ضد الامبريالية، وهنا تخطر لي عبارة أعتقد أنها لكاميلو: أولئك الذين يناضلون أينما كانوا هم إخواننا، وتشي هو أول من دخل غزة، كما تقول، وقد أخذوه لأحد المصانع وشاهد تصنيع شيء ما، فيقول تشي: ما يجب عليكم بناؤه هو المناجم، وتصنيع الهاون، وتدريب الرفاق، بعد ذلك حدثت حرب عام 1973 حيث قامت كوبا بقطع علاقاتها مع “إسرائيل”.
“إسرائيل” والولايات المتحدة، حليفتان طبيعيتان، وصديق عدوي عدوي أيضاً، هذه هي القاعدة، ونحن ببساطة نقف إلى جانب كل أولئك الذين يقاتلون، وقد درسنا تاريخ تلك المنطقة وعلمنا حقائق ذلك العالم، عما كان يحدث، وكيف شردوا الفلسطينيين من أراضيهم، وكيف تم احتلال فلسطين، هو نظام إرهابي واحتلال عسكري.
إدواردو ساغاروه: يبدو أحياناً أن السيد بايدن ليس هو فقط من يحكم في الولايات المتحدة، بل نتنياهو هو من يحكم الولايات المتحدة أيضاً، لأنه بغطرسة، وبغطرسة هائلة، يطلق تصريحات تكاد تجعله يأمر في الولايات المتحدة، وهو العدو الذي يستخدم نفس الحملات الدعائية والأيديولوجية التي استخدمها النازيون ضد اليهود في أوروبا.
كنت أشاهد فيلماً وثائقياً عن الحرب العالمية الثانية ومعسكرات الاعتقال، وما قاله النازيون عن اليهود هو نفس ما يقوله الإسرائيليون عن الفلسطينيين، هناك تطابق بين الفاشية النازية والصهيونية.
لقد ولدت الصهيونية في أوروبا وتدعمها القوى الإمبريالية، التي لولا دعم القوى الإمبريالية لما كانت شيئاً، لا في السلاح ولا في السياسة، وتم تقديم الدعم السياسي لها في الأمم المتحدة.
وفي كل مرة يأتي فيها اقتراح إلى الأمم المتحدة بإزالة الحصار عن كوبا، يأتي حق النقض وتقف “اسرائيل إلى جانبه”، لأن الأمم المتحدة أثبتت أنها منظمة غير فعَّالة، منظمة واجهة.
لقد كنا دائماً حساسين لأهوال الإمبريالية، في كوبا وخارجها، لأن تشي قُتل، بطريقة بائسة، لقد قبضوا عليه حياً، جريحاً، وكان هو من يشفي الجرحى، كان طبيباً، وقد قتلوه، لكن إلى جانب ذلك، في أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، في السلفادور، وغواتيمالا وغيرها من مجازر نفذتها الإمبريالية والصهيونية وحتى في أفريقيا في أنغولا وجنوب أفريقيا وكل ذلك كان بمثابة خلق للوعي وهو ليس بالشيء الذي يتحقق بيوم واحد، بل يتشكل ويتراكم على مر السنين وقد اكتشفنا السمة الحقيقية للإمبريالية والصهيونية وأدركنا ذلك مبكراً.
لدينا إعجاب كبير بالمقاتلين الفلسطينيين والشعب الفلسطيني، لأنه يحقق المستحيل وأثبت أنه عندما يقرر الشعب النضال، فإنه لن يقهر.
لقد تحملوا ما لا يستطيع سوى عدد قليل من الناس تحمله، وتحملوه بثبات مثير للإعجاب، أذكر أنني كنت في المكسيك عندما تم العدوان على بيروت عام 1982، حيث قصفت بيروت جواً وبحراً وبراً، ورأينا فظاعة ما تفعله الصهيونية وهذا ساعد في تشكيل الوعي لدينا حيث أن المجازر التي فعلها الاحتلال والتي تفوق أي خيال، مما يعطيك فكرة أن لديهم عقلاً مريضاً، لأنه لا يوجد إنسان بالمنطق السليم يقوم بحرب ضد النساء والأطفال، وهذا أمر محرم دولياً بموجب القانون، لكن ما يحدث هو أنهم ينتهكون القوانين، والولايات المتحدة لديها الدعم.
الولايات المتحدة لديها سلوك منافق، يقولون إنهم يوافقون على وقف إطلاق النار، لكنهم بعد ذلك يرسلون لهم الأسلحة، التي يقتلون بها السكان الفلسطينيين، وهي نفس الأسلحة التي أرسلوها إلى جيش باتيستا، لقتل السكان الكوبيين، إنه العدو نفسه، في مسارح العمليات المختلفة.
علاوة على ذلك، يرى المرء عقلاً مريضاً، بعيداً عن الواقع، عقلاً هتلرياً، وهو نفس الشيء الذي فعله هتلر لإخلاء السكان، أراد إخلاء بولندا والدول الشرقية، وإخلاء روسيا وأوكرانيا، وكل تلك الأماكن، كان يرغب في إخلائها من السكان لتأسيس إمبراطورية ألمانيا لألف عام، هذا ما يريده هؤلاء الناس، إخلاء السكان للسيطرة على الموارد الطبيعية، هذا هو الأساس الاقتصادي، لأنه وراء كل شيء أساس اقتصادي، فهم يريدون الغاز الطبيعي والنفط، ويريدون الدماء من أجل النفط، لأنهم، ببساطة، أناس حقيرون.
وهذا ما يميز الإمبريالية. وكما قال تشي، فإن الإمبريالية تحول الإنسان إلى وحش ضارٍ. ويقول شيوعي عربي مصري إن الإمبريالية تسير دائماً على قدمين، واحدة اقتصادية والأخرى سياسية. والصهيونية جزء من الإمبريالية، وهي قاعدة عسكرية للإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط.
شكراً لك
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
الاحتجاجات تكشف عن تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث يعبر الشعب عن قلقه العميق من تفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.
تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.