
تجارب نضال أميركا اللاتينية واليمن في مقاومة الإمبريالية الأميركية
استضاف مركز دار الخبرة للدراسات والتطوير ومركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني في العاصمة اليمنية صنعاء، الناشطيْن التشيليين في مجال حقوق الإنسان، الدكتور بابلو أليندي الدولي
لدراسة هذا الموضوع الحيوي بتمعن وموضوعية علمية علينا تحديد عدة أمور أساسية أهمها:
أولاً – تحديد طبيعة التركيبة السياسية والاقتصادية في أي بلد يريد وضع الاستراتيجية الاقتصادية للدولة وعلى أية أسس، بما فيها لبنان، خاصة في مجال قطاع البترول الحيوي والمعقد. تتشكل التركيبة السياسية والاقتصادية في لبنان من تحالف طغمة مالية مرتبطة بالرأسمال العالمي، مع اقطاع سياسي – طائفي لا يرغب سوى بالمال السائل وليس له أي اهتمام بمصالح الوطن والشعب.
ثانياً – ما هي طبيعة الاقتصاد في هذا البلد المعين. إن طبيعة الاقتصاد اللبناني هي أنه اقتصاد ريعي بامتياز وغير منتج. الطبقة المتحكمة، تصر على هذا الاقتصاد الريعي لأن عبره تستطيع التحكم بأموال الريع بأشكاله المختلفة وتتقاسم وتوزع المغانم على المقربين وكل حسب ولائه وقربه ودوره في الطبقة الحاكمة. النظام الريعي أداة طيعة بيد السلطة لتحويل الشعب إلى رعايا يستجدون، على أبواب أمراء المذاهب، وظيفة أو تأمين حد أدنى من الطبابة أو التعليم أو أية حاجة تمس حياتهم. لذا من المستحيل لهذا النظام أن ينتهج سياسات مبنية على اعتبار أن السكن، والعمل، والتعليم، وضمان الشيخوخة والطبابة، والكهرباء، والمياه والبترول والبيئة هي حقوق مقدسة للإنسان وأن اللبنانيين ناضلوا، ويناضلون، من أجلها عبر سنوات طويلة. ولا بد من التأكيد أن اقتصاد الريع بطبيعته يتناقض مع الاقتصاد المنتج ويحتم على لبنان أن يكون واحداً لا يختلف، من حيث طبيعته، عن اقتصادات الريع في المنطقة التي تتحكم بمردود الريع وتوزعه كغنائم للزعماء ويبقى الشعب تحت رحمتهم يركض وراء لقمة عيشه.
لذا يمكننا التأكيد، وبدون تردد، بأن النظام الاقتصادي الذي يرتكز على الريع لا يمكنه أن يضع سياسة اقتصادية تنموية شاملة تنطلق من تطوير القطاعات المنتجة، وخلق فرص عمل لشعبه والحد من هجرة شبابه. عطفاً على ذلك يمكن الاستنتاج بشكل منطقي وعلمي ان الطبقة الحاكمة وطبيعة اقتصادها في لبنان لا يمكن أن تضع استراتيجية وطنية لقطاع البترول تخدم المصالح الوطنية والتنمية الشاملة في لبنان، وتحافظ على حقوق الشعب اللبناني في ثروته البترولية.
كيف تعاطت السلطة اللبنانية مع هذا الملف الحيوي والخطير
أقرّت السلطة التشريعية (البرلمان)، وبعد نقاش مطول، قانون استثمار الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية وذلك عام 2010 تحت رقم 132\2010* حيث حددت الأسس الاستراتيجية القانونية، الاقتصادية والمالية، لسياسة الدولة في قطاع البترول. بالرغم من العديد من النواقص والهفوات في هذا القانون لكنه حدد نقاطاً أساسية أهمها:
1-الحفاظ على ملكية الدولة للثروة البترولية ومشاركتها بعملية التنقيب والاستخراج والتسويق وذلك عبر قرار إنشاء شركة وطنية لقطاع البترول، التأكيد على مبدأ “تقاسم الإنتاج” مع الشركات المشغلة. وهذا بالمنطق العام يتناسب مع وضع لبنان الذي ليس لديه خبرات في هذا المجال، ويتطلب الاستعانة بشركات عالمية لديها خبرات وإمكانيات في الاستثمار في قطاع البترول.
2-حدد القانون بعض الأطر، على أن تتفق الدولة على إعطاء رخص التنقيب عن البترول لشركات مختصة، وذلك على مسؤوليتها، فإذا لم تجد الكميات التجارية المقبولة، لن يدفع لبنان أي شيء من تكاليف التنقيب، أما إذا وجد البترول بكميات تجارية، حينها تتفق الدولة مع الشركات المعنية على المشاركة في الاستخراج والتسويق وتقاسم الحصص، وتكون حصة الدولة لا تقل عن 40% وتدفع نسبة حصة الدولة من عملية تكاليف التنقيب تدريجياً. علاوة على ذلك، يترتب على الشريك الأجنبي دفع اتاوة لا تقل عن 12.5% من قيمة الإنتاج وضريبة على الأرباح، إضافة إلى علاوات ورسوم مختلفة تؤدي في النهاية إلى حصول البلد المضيف (لبنان) على نسبة بين 70-90% من مجموع الأرباح.
3- يؤمن هذا النظام للبنان إمكانية مشاركة فعلية في عملية استثمار البترول عبر شركته الوطنية، وتدريب الكوادر المحلية الوطنية. علماً أن هذا النموذج من الاستثمار يستخدم في أكثر من سبعين دولة في العالم.
يحتوي هذا القانون على نقاط ضعف عديدة أهمها:
1- لم يحدد مسؤوليات الأطراف الرسمية بهذا الملف أي لم يحدد مسؤولية مجلس الوزراء، والدولة ومسؤولية الوزارة والوزير المختص وكذلك لم يحدد مسؤولية هيئة إدارة قطاع البترول بشكل واضح وصريح.
2- كما لم يحدد كيفية عقود العمل وتأمين العمال والموظفين ضد مخاطر العمل وغيرها من الأمور الحساسة. عطفاً على هذا القانون كلف وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل الهيئة الوطنية للبترول وضع المراسيم التطبيقية لقانون استثمار الموارد البترولية في المياه البحرية رقم 132\ 2010.
فضائح المرسوم التطبيقي رقم 43\2017
إنَّ المرسوم التطبيقي المقدم من هيئة البترول* عبر وزير الطاقة والذي يفترض أن يضع الإجراءات التطبيقية لقانون استثمار البترول 132\20910 صدر فعلياً في عام 2017 تحت رقم 43 ولكنه فعلياً يتناقض بشكل فاضح مع القانون المذكور في بنود قانونية أساسية ولا يحافظ على الحد الأدنى للمصالح الوطنية بل يخدم مصالح الطغمة الحاكمة وشركاتها.
نتوقف، على سبيل الذكر لا للحصر، عند أهم مخالفات المرسوم التطبيقي للقانون 132\2010 الذي أقر في المجلس النيابي:
1- بداية من الضروري التوضيح من هي “هيئة إدارة البترول” التي وضعت هذا المرسوم. تعين هذه الهيئة من قبل وزير الطاقة وتتكون من ستة أعضاء – ممثلين للطوائف الست الأساسية حسب العرف الأعوج وتقوم بإدارة قطاع البترول. يتقاضى كل عضو فيها معاشاً شهرياً حوالي 25 ألف دولار، عشرة أضعاف معاشه السابق. كل ذلك لضمان طاعته لمصالح الجهة التي عينته، لذا يتضح عملهم المنسق مع مصالح أطراف السلطة. هذا ما سمح لها وضع مرسوم تطبيقي مخالف للقانون وفتح المجال للفرصة الذهبية أمام النافذين لنهب أموال البترول.
2-قامت هيئة البترول وبتكليف من وزير الطاقة بوضع المرسوم التطبيقي لقانون البترول. المادة الخامسة من المرسوم تنص حرفياً “لن تكون للدولة أية مشاركة في دورة التراخيص الأولى”. علماً بأن ذلك مخالفة واضحة وفظة لما نص عليه القانون صراحة بأن الدولة ستشارك عبر الشركة الوطنية للبترول. الهدف من ذلك إخراج الدولة من كامل عملية الاستثمار لاحقاً في قطاع البترول وضرب أسس “مبدأ تقاسم الإنتاج” بين الدولة اللبنانية والشركة الأجنبية المشغلة والانتقال إلى مبدأ غريب أكل الدهر عليه وشرب ولا يوجد له مثيل حالياً في العالم وهو “مبدأ تقاسم الأرباح”.
3- عطفاً على البند الأول، تم إلغاء فكرة إنشاء شركة وطنية لإدارة قطاع البترول رغم أهميتها في تمثيل مصالح الدولة والحفاظ على ثروتنا الوطنية بكافة مراحل العمل في هذا القطاع الحيوي من التنقيب والاستخراج والتسويق وإنشاء الصناعات البتروكيميائية، وتدريب الكوادر الوطنية، وخلق فرص عمل للشعب وخاصة الشباب. بذلك يكون لبنان أول دولة في العالم يدخل إلى قطاع البترول بدون شركة وطنية تحمي مصالحه وثروات شعبه. وذلك لإبقاء أمور قطاع البترول في يد وزير الطاقة وهيئة إدارة القطاع لتسهيل عمليات التحاصص والسمسرات والصفقات.
4-حدَّد المرسوم شروطاً لتصنيف الشركات التي ترغب في المشاركة بالمناقصات هنا تكمن اللعبة الكبرى واللغم المستور – اللافت للنظر بأن هيئة قطاع البترول صنفت 53 شركة يحق لها المشاركة في المناقصات مع الدولة اللبنانية، علماً أن الشركات المتخصصة التي لها خبرات وإمكانيات مالية ولوجستية في مجال البترول عالمياً لا يتجاوز عددها 15 شركة. فعلى أي أساس صنفت هيئة إدارة البترول 53 شركة يسمح لها المشاركة في المناقصات؟ بعد التدقيق تبين أن في المرسوم التطبيقي يوجد نص واضح في دفتر شروط المناقصات ينص في المادة السادسة منه على “لا تقبل طلبات الحصول على حقوق التنقيب والاستخراج إلا إذا الشركات المشغلة (أي الشركات العالمية المتخصصة) تعاونت مع شركتين غير مشغلة (تجارية)”، بمعنى انه على الشركات العالمية أن تتفق مع هذه الشركات التجارية كي يسمح لها بالمشاركة في المناقصات، وأكثر وضوحاً على أن تكون حصة الشركة المشغلة 40% و10 % من نصيب الشركات غير المشغلة التجارية.
وجاءت الفرصة الذهبية لشركات السلطة الوهمية لسرقة قطاع البترول، وبسحر ساحر لجأ أفراد السلطة الحاكمة وبسرعة فائقة إلى تأسيس شركات أغلبها وهمية، مثلاً أسس أحد المتنفذين شركة في هونكونغ برأسمال 1300 دولار بدون عنوان وغيره وغيره من المتنفذين؟؟ أسسوا العديد من الشركات أغلبها وهمية وتقدموا من هيئة البترول كشركات غير مشغلة وتم تصنيفهم للمشاركة في المناقصات البترولية، وبذلك يتضح الجواب كيف أصبح عدد الشركات 53 شركة التي يسمح لها بالمشاركة في مناقصات البترول.
هكذا سمح للسلطة وسماسرتها باغتنام الفرصة الذهبية لوضع يدها على قطاع البترول وجني مليارات الدولارات وحرمان الشعب من الموارد الأهم لثروته البترولية والقضاء على حلمه أن يعيش بكرامة.
5- تقدم وزير الطاقة بمشروع المرسوم التطبيقي إلى حكومة الرئيس تمام سلام، فرفض المشروع فوراً لأنه مخالف للقانون. بعد خروج الرئيس سلام من السلطة قدم المشروع مجدداً إلى مجلس الوزراء الجديد برئاسة الرئيس سعد الحريري. اللافت للنظر أن هذه الحكومة، وفي أول جلسة لها وأول بند على جدول الأعمال وضعت مشروع المرسوم التطبيقي وأقر تحت رقم 43\2017 بصفة السرية وبدون اطلاع المجلس النيابي، وأصبح ساري المفعول من تاريخه.
6-أجريت مناقصات البلوك (4) وبلوك (9) على أساس هذا المرسوم رغم مخالفته لقانون البترول رقم 132\2010 والجميع في صمت مريع ومرتاح الضمير على نحر القانون والثروة البترولية.
أهم من كل ذلك يجب التأكيد في هذا المجال على عدة أمور خطيرة يجب النضال من أجل تعديلها:
1- هذا المرسوم يفقد فعلياً ملكية الدولة لقطاع البترول بطرحه أن الدولة لن تشارك في التراخيص الأولى – وتغطي المرسوم بورقة تين بأنه يحق للوزير، الطلب من لشركة الأجنبية تعيين مراقب للوزير يحضر الاجتماعات ويقدم تقريره إلى الوزير. فذلكة مريبة، أنا مالك الثروة أطلب تعيين مراقب! فعلياً تكون الدولة قد تنازلت عن ملكيتها وحقوقها الوطنية إلى الشركات الأجنبية وشركائها غير المشغلين وهم أصبحوا يملكون حق الملكية والتصرف بها وتكتفي الدولة بما تعلنه هذه الشركات عن “أرباح”!، وتأخذ نصيبها المشكوك بأمره من قطاع البترول. هذا واقع لا يمكن استمراره ويجب إسقاطه.
2- استعراض مختلف مكونات حصة لبنان من استثمار لثروته البترولية حسَّن شروط العقود المبرمة على أساس المرسوم التطبيقي حيث يتبين أن حصة لبنان لا تتجاوز 47-54 % في أفضل الحالات على أساس أتاوة 4% تضاف إليها 30% من الأرباح وضريبة 20% على أرباح الشركة العاملة وهذا بأقصى شروط “الشفافية” ويرتكز هذا على ما تستطيع ان تعرفه عن حقيقة أرباح الشركة. مقابل نسبة تتراوح بين 65 و85% مضمونة لو استخدم “مبدأ تقاسم الإنتاج” كل هذا يرتب خسائر على الدولة بمليارات الدولارات تذهب إلى جيوب أطراف الطبقة الحاكمة. فلا يمكن السكوت عن ذلك يجب كشف هذه الجرائم والنضال لإسقاط هذا المرسوم التطبيقي وتنفيذ القانون المقر في المجلس النقابي 132\2010
3- بكل ثقة يمكننا الإعلان، أن ثروتنا البترولية يهددها خطر النهب من قبل الطبقة الحاكمة، وإذا لم نغيِّر هذه المنظومة سيبقى الشعب اللبناني يركض وراء لقمة عيشه. فلا بد من تحويل هذا الملف إلى هيئة جنائية قضائية تدرس كل المخالفات القانونية وتطالب المجلس اتخاذ كل ما يلزم لحماية ثروتنا البترولية واجبار كل الجهات الحكومية تطبيق قانون استثمار الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية.
4- ولا ننسى الموضوع الآخر الذي له علاقة أساسية بالثروة البترولية في لبنان وبشكل خاص الجريمة التي ارتكبت من قبل السلطة اللبنانية في موضوع حساس للغاية، وهو ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني وكيف أهدرت حقوق الشعب اللبناني. وهو موضوع مادة مستقلة.
المراجع
*الموارد البترولية في المياه البحرية-قانون 132-2010
*اتفاقية الاستكشاف والإنتاج مرسوم 43/2017
دكتور مهندس طاقة، أستاذ جامعي من لبنان لديه العديد من الدراسات والأبحاث في اختصاصه وفي المجال الاقتصادي العام.
استضاف مركز دار الخبرة للدراسات والتطوير ومركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني في العاصمة اليمنية صنعاء، الناشطيْن التشيليين في مجال حقوق الإنسان، الدكتور بابلو أليندي الدولي
لأول مرة في تقارير منظمة “بيت الحرية” التي تُعنى بمؤشرات الحقوق السياسية والحريات المدنية في مختلف بلدان العالم، يتم تصنيف الكويت بوصفها “دولة غير حرة”.
إن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته أفشل مخططاً صهيونياً عدوانياً كبيراً استهدف خلط الأوراق في المنطقة وكل محاولات مباغتة المقاومة وتسجيل إنجازات نوعية لإضعافها باءت بالفشل
التوجيهات والتشريعات المرتقبة تعكس في مجموعها توجهات اقتصادية نيوليبرالية ستكون لها، في حال إقرارها، تأثيرات وتداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية سواءً على الاقتصاد الوطني أو على مستوى معيشة غالبية المواطنين والمقيمين.