المنسق العام للقاء اليساري العربي د. سمير دياب في حوار خاص مع «تقدُّم»
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
قبل أسبوعين من دخول الأسير جورج عبد الله عامه الأربعين في المعتقلات الفرنسية حدثت عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. توقف العالم كله أمام هول الحدث: فجر جديد في تاريخ الثورة الفلسطينية يقطع مع عقود من المراوحة ومفاعيل النكبة والنكسة ثم أوسلو ومشاريع السلام الموهوم. أمل جديد لاح للشعب الفلسطيني وللشعوب المتضامنة مع القضية، مقابل كارثة حلت بالمشروع الصهيوني وداعميه في المحالفة الرأسمالية الغربية وموجوداتها في المنطقة. لكن للحدث، لدى الأسير جورج عبد الله، وقعاً آخر وطعماً مختلفاً، فهو الذي لم يصمد طوال عقود الاعتقال الأربعة إلَّا لأنه كان ينتظر شيئاً مما حدث في السابع من تشرين / أكتوبر الماضي، فكيف بالحدث كله؟ بل كيف بما تلا الحدث، بكل ما يحتوي من أهوال ومخاطر وما ينبئ من وعود وآمال؟
ولأن الموعد السنوي لاعتقال المناضل عبد الله، وهو محطة ثابتة للاحتجاج أمام السفارات الفرنسية وأمام مقر سجنه في الجنوب الفرنسي، وهو أيضاً مجالاً للتعبير عن رفض السياسات الإمبريالية وآثارها التدميرية على شعوب الغرب بذاته وعلى الشعوب المُكتوية بنار الاستعمار، القديم منه والجديد، لأن الموعد أتى بعد أسبوعين ونيف من انطلاق طوفان الأقصى، فقد كان شكل الاحتجاج كما مضامينه وحيثياته مختلفة أيضاً.
في المسيرة التي انطلقت باتجاه السفارة الفرنسية في بيروت، وكانت تضم، رغم غياب الدعوات الخاصة، لبنانيين وفلسطينيين وعرباً من أطياف مختلفة، كانت الوجوه قبل العبارات تشي بأن موعد جورج عبد الله مع الحرية لم يعد بعيداً، وأن احتمالاته التاريخية باتت واقعية، وبأنه على الأقل لم تذهب سنوات الأسر هدراً. كل ذلك جرى التعبير عنه قبل أن تعلن لاحقاً مختلف فصائل المقاومة أن الأسير جورج عبد الله سيكون على رأس اللائحة في عملية تبادل الأسرى، باعتباره مناضلاً لبنانياً مقاوماً من أجل تحرير فلسطين.
في فرنسا حيث لم تتأخر الإدارة السياسية كما عادتها على إعلان تأييدها للعدوان الصهيوني، بل سارعت مثل باقي دول الغرب الداعم للكيان إلى اتخاذ إجراءات ظنت أنها كافية للحيلولة دون اتساع رقعة التأييد للقضية الفلسطينية وشجب العدوان وتأكيد حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة. وكانت من بين أولى إجراءاتها منع التظاهرة السنوية التي تحدث في لانميزان أمام سجن الأسير جورج عبد الله في أقصى الجنوب الفرنسي، لكنها أمام ضغط الرأي العام الفرنسي المؤيد للحق الفلسطيني في المقاومة وفي إطارها حق جورج عبد الله بالحرية، أمام الضغط اضطرت السلطات الفرنسية إلى إلغاء قرار المنع. فكانت واحدة من أكبر التظاهرات التي عرفها محيط سجن الأسير. ما يربو على ألفي متظاهر قطعوا مئات الكيلومترات قادمين من مختلف المناطق الفرنسية، وبعضهم جاء من مدن أوروبية أخرى حيث تنشط لجان تضامن مع الأسير، واحتشدوا أمام السجن ليعلنوا الانتصار للقضية الفلسطينية ولحرية الأسير عبد الله في آن واحد.
على مدى أشهر العدوان على غزة والضفة الغربية ولبنان، لم يكن مستغرباً رفع صور الأسير جورج عبد الله والشعارات المؤيدة لحقه بالحرية في معظم الأنشطة والتظاهرات في مختلف عواصم الغرب لا سيما في المدن والبلدات الفرنسية. فالقوى والمجموعات والأحزاب والشخصيات اليسارية والديمقراطية المعترضة على توحش الرأسمالية العالمية وانقضاضها على سياسات الحماية الاجتماعية المعمول بها سابقاً، هي نفسها القوى المعترضة على عدوان الغرب الاستعماري على شعوب العالم وعلى انحيازه الأعمى للعدوانية الصهيونية على بلادنا، وبالتالي من الطبيعي أن تندمج رمزية الأسير جورج عبد الله في قلب فعالياتهم الاعتراضية تأييداً لفلسطين ورفضاً لحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
إن وقوف الأنظمة الغربية إلى جانب العدوان الصهيوني، سواء بالدعم العسكري والاقتصادي، أم بالدعم في المحافل الحقوقية، وخصوصاً ما تجلى من تصويت في مجلس الأمن ضد وقف إطلاق النار والسعي إلى مساواة الجلاد بالضحية، يثبت مقاربة الأسير جورج عبد الله وفهمه لمعنى “عدالة الغرب الاستعماري”، وهي مقاربة أوضحها خلال محاكمته المزعومة في العام 1987 قائلاً: “منذ حوالي الأربعين سنة وشعبنا يعاني وبجميع الطرق من الاعتداءات الإمبريالية، لم يقصر أي جيش غربي في اعتبارنا حقل تجارب وفي استعمال شعبنا كفئران اختبار. منذ مطلع هذا القرن وحتى أيامنا هذه وأسيادكم لم يوفروا علينا أي شيء، من المؤامرات الدنيئة حتى المجازر الأكثر فظاعة، دمار وبلقنة يتعايشان تحت شعار حقوق الإنسان الغربي، الأميركيون وكلاب حراستهم الصهاينة يستمرون حتى هذه اللحظة بعملية التدمير الوحشية”.
للتذكير الأسير جورج عبد الله شارك في مواجهة العدوان الإسرائيلي في العام 1978، وللتذكير بالمناسبة أن القرار 425 الصادر عن الأمم المتحدة لم ينفذ إلَّا في العام 2000 بفعل المقاومة الوطنية اللبنانية أولاً، ثم المقاومة الإسلامية لاحقاً. والأسير جورج عبد الله بقي في إطار المقاومة حتى الاجتياح الذي بلغ العاصمة اللبنانية بيروت في العام 1982. وذلك الاجتياح أدى إلى سقوط قرابة 25 ألف قتيل وشهيد وما يزيد على المئة ألف جريح. وللتذكير أيضاً، لم تصمد القوات الإسرائيلية في بيروت إلَّا قليلاً وكان إعلانهم الشهير: أوقفوا إطلاق النار فنحن منسحبون.
اعتقل الأسير جورج عبد الله عام 1984، وحكم عليه بالسجن المؤبد في العام 1987. أثناء المحاكمة لم يدافع عبد الله عن نفسه، إذ قال: “ما من شيء طبيعي أكثر من وجود مناضل عربي يحاكم في الغرب، لا شيء فعلاً جديداً بأن يعامل كمجرم”. لكنه، من جهة أخرى، جعل من المحكمة منصة للمواجهة بين شرعيتين: شرعية المقاومة “إن شعبي هو الذي منحني شرف المشاركة في هذه الأعمال ضد الإمبريالية، والتي تقولون بأنني أنا من قام بها، على الأقل لي كل الشرف أن أكون متهماً بها من قبل محكمتكم والدفاع عن شرعيتها، مقابل شرعية الغرب الإمبريالي التي وصفها بـ “شرعية السفاحين المجرمة”.
إن النظرة التي حكمت موقف الأسير عبد الله أثناء المحاكمة، هي التي طبعت مواقفه طوال مدة اعتقاله. وما طول مدة الاعتقال هذه إلَّا سعياً من قبل الإدارة الفرنسية المتواطئة مع العدوان الأميركي- الصهيوني في مجازر الإبادة في غزة، لكسر إرادة المقاومة لديه، تماماً كما يفعل المحتل الصهيوني من خلال وصف أعمال المقاومة بأنها خارجة عن القانون، وتستحق الإدانة وأقسى ما تبتكره العبقرية الغربية – الصهيونية من أدوات القتل المادي والمعنوي.
ولأن العدوانية الإمبريالية لم توفر شعباً ولا حقاً من حقوق الشعوب إلَّا وحاولت سحقه، فالمواجهة ينبغي أن تكون شاملة، عملاً بشعار دأب الأسير جورج عبد الله على جعله منتهى الكلام: معاً سوف ننتصر ولن ننتصر إلَّا معاً.
شقيق الأسير جورج إبراهيم عبد الله، أستاذ جامعي، ومحرر في مركز دراسات الوحدة العربية.
عملية طوفان الأقصى امتداد للتاريخ النضالي لمقاومة الشعب الفلسطيني والعربي
ومهمة اليسار العربي تقوم على استنهاض حركة تحرر وطني عربية بقيادة ثورية
الاحتجاجات تكشف عن تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث يعبر الشعب عن قلقه العميق من تفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
برزت قبل وأثناء الحرب العديد من الميليشيات المسلحة المنسوبة للجيش المختطف من فلول “الإخوان المسلمين”. اندلعت الحرب في الخامس عشر من نيسان/ إبريل من العام 2023 بين الجيش المختطف وميليشيا الدعم السريع، بهدف قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا تحقق أهدافها في بناء سلطة مدنية كاملة وتصفية الثورة.
تستند العلاقات الأميركية – “الإسرائيلية” على قاعدة ذهبية هي أن الولايات المتحدة الأميركية أهم حليف وداعم للكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وأنها تصوغ وتفرض سياستها في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، بل والعالم لضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وانتصاراتها في حروبها المتتالية وقضمها لفلسطين.