
حرب السودان … مهددات التقسيم
يبدو أن هناك مهددات باتت واضحة لتقسيم السودان أسفرت عنها حرب الجنرالات في السودان التي انطلقت في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام 2023، والتي تكاد تكمل عامها الثاني.
هل ستستمر حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد سكان غزة منذ تسعة أشهر ونيّف؟ وإلى متى؟ وهل الدمار والخراب الذي ألحقه العدوان الصهيوني بالضفة الغربية وجنوب لبنان، وباليمن أخيراً، سيتوقف هو والقتل المتعمّد لعشرات آلاف المدنيين، خاصة بعد المواقف الواضحة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية؟ وهل سيتحرّك ضمير الأنظمة المطبّعة، فتتراجع عن مواقفها، وتقطع علاقتها بالكيان الصهيوني الذي يمتص خيرات العرب من المحيط إلى الخليج؟ أسئلة كثيرة تجول في الأذهان. وبينما تستمر شعوب الأرض في التحرّك ضد الجريمة المنظمة التي يرتكبها نتنياهو وزمرته، غير آبهة بالقمع والاعتقال، يلف الصمت القاتل شعوبنا، ويكتفي البعض بالموقف الكلامي دعماً لمقاومة تقضّ مضاجع العدو وتنزل الخسائر الجسام به…
ما هو الواقع اليوم؟ وإلى أين يتجه؟
إذا ما انطلقنا من الخطاب الذي تقدّم به نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، والذي حاز على تصفيق الحضور من بين أعضائه لعشرات المرّات، نستنتج أن خطة الإبادة في قطاع غزة لن تتوقّف؛ بل على العكس من ذلك، سيستمر قتل المدنيين ومنع الماء والغذاء والدواء عنهم حتى إتمام بسط سيطرة الاحتلال “الأمنية الكاملة” على الأرض والشعب… هذا، في وقت أصر فيه نتنياهو على ضرورة مدّه، سريعاً، بالسلاح والعتاد لإنجاز جريمته التي أطلق عليها اسم “الصراع بين الحضارة والهمجية” والتي ستشكل، حسب رأيه، انتصاراً “لقوى الحضارة” وعلى رأسها الولايات المتحدة… ولا ننسى بالطبع هجومه الشرس على التظاهرات الطلابية، التي وصفها بالمشبوهة والمعادية للسامية، كما لا ننسى تجاهله لاقتراحات رئيس الولايات المتحدة جو بايدن من خلال عدم ذكر صفقة إطلاق “الرهائن”، وتجاوزه كذلك مسألة قيام الدولة الفلسطينية…
ونحن، إذ نلفت النظر إلى هذه العناوين الأساسية في موقف الكيان الصهيوني، وبالتحديد هدف السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع، فلأنها تفضح المخطط الذي يعد لما يسمّى “اليوم التالي” في قطاع غزة ومعه مشروع الاستيلاء على الأراضي اللبنانية المحتلة واستبدال الحدود البرية المعترف بها دولياً “بالخط الأزرق” الذي رسمه العدو بعد عدوانه في العام 2006، ومن ضمنه ثلاثة عشرة نقطة حدودية يسعى للاستيلاء عليها بدعم من إدارة الولايات المتحدة الأميركية ممثلة بمندوبها عاموس هوكشتين الذي كان له اليد الطولى في جعل الصهاينة يستولون على 1240 كيلومتراً مربعاً من المياه الإقليمية اللبنانية لاستخراج الغاز منها، بعد أن تبيّن أن “حقل كاريش” شبه فارغ.
ما هو المخطط الصهيوني – الأميركي لما يسمّى “اليوم التالي”؟
استناداً إلى صحيفة “واشنطن بوست” وموقع “اكسيوس” الأميركي، وكذلك إلى بعض المواقع الإعلامية الصهيونية، عقد، في الثامن عشر من شهر تموز / يوليو الجاري، لقاء سرّي استضافته أبو ظبي. هدف هذا اللقاء كان مناقشة خطة تقدّم بها نتنياهو تحت مسمّى “اليوم التالي”، أي بعد انتهاء الحرب الصهيونية على غزة.(1)
هذه الخطة تشمل ثلاثة جوانب صهيونية – إماراتية – فلسطينية.
فهي تتضمن، أولاً، موافقة الإمارات العربية المتحدة على دفع تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة، وعلى إرسال قوة عسكرية “لحفظ السلام” في القطاع، إضافة إلى العمل من أجل المساهمة في فرض التطبيع على أبنائه عبر تغيير أنظمة التعليم فيه.
وهي تتضمن، ثانياً، أن تتسلّم قوات الاحتلال الإشراف الأمني الكامل على القطاع، كما هي الحال في الضفة الغربية المحتلة.
وهي تتضمن، ثالثاً، رسم توجه أولي للسلطة التي ستحكم القطاع “بعد القضاء” على حركات المقاومة فيه.
ويقال أن الوفد الصهيوني حمل إلى الاجتماع، كذلك، موقف نتنياهو الرافض لوقف حرب الإبادة في الوقت الحاضر، ورفضه القاطع لحل الدولتين… وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فقد تم في اللقاء استعراض أولي لكيفية إدارة الأمور السياسية “في اليوم التالي”، تحت مسمى ضرورة قيام “سلطة فلسطينية إصلاحية” تساعد على تنفيذ المطلوب… (2)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجموعة التي تحكم الكيان الصهيوني اليوم تحاول، إنْ في توقيت زيارة نتنياهو إلى واشنطن، أم في طرح خطته لما بعد العدوان على الإدارة الأميركية، الاستفادة من المعركة الانتخابية الرئاسية، وبالتحديد بعد المناظرة التي أنهت حظوظ “المرشح” جو بايدن وأجبرته على الخروج من المعركة، من أجل ابتزاز الحزب الديمقراطي ومرشحته كامالا هاريس… علماً أن السياسة الخارجية للحزبين المسيطرين على مصير الولايات المتحدة تلتقي، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، على دعم الكيان الصهيوني باعتباره القاعدة المتقدمة للإمبريالية في المنطقة… وقد تجلى ذلك في كل الحروب العدوانية التي خاضها هذا الكيان وكذلك في موقف واشنطن من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وفي استخدامها لحق النقض (الفيتو)… دون أن ننسى المساعدات العسكرية والمالية المقدمة سنوياً للكيان، ومعها ترسانة الأسلحة الاستراتيجية الموضوعة بتصرفه، ومنها السلاح النووي، ومع التذكير بالعقوبات المالية والاقتصادية التي فرضت على عدد من بلدان المنطقة، وبعض مجموعاتها السياسية، بسبب عدم موافقتها على التطبيع مع هذا الكيان الغاصب.
من بين هذه البلدان لبنان الذي رفض القسم الأكبر من شعبه الانضمام إلى مؤتمر المنامة وما ترافق معه من “اتفاقيات أبراهام” التطبيعية. فكان نصيبه المزيد من الاعتداءات على أرضه ومياهه وغازه منذ العام 2019 الذي شهد انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي أدت بالأغلبية الساحقة من شعبه إلى ما دون خط الفقر، وما تبعها من عدوان عسكري صهيوني أدى إلى استشهاد بضعة مئات من بنات وأبناء شعبه، وإلى حرق أحراجه ومساحات واسعة من أشجار الزيتون وغيره بالفوسفور الأبيض المحرّم دولياً، وإلى إحلال الدمار في البلدات والقرى اللبنانية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة؛ هذا، عدا عن الأزمة السياسية التي أدت إلى انحلال مؤسسات الدولة وإلى أزمة دستورية خانقة. هذا، عدا عمَّا سبق وأشرنا إليه من محاولات الاستيلاء على جزء من الحدود البرّية اللبنانية التي يسعى هوكشتين لتنفيذها وفق خطة من ثلاث مراحل، ملوحاً مقابل ذلك “بحزمة اقتصادية للبنان والتأكد من أن المجتمع الدولي يظهر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيه”، بمعنى آخر شراء الضمائر من قبل الإمبريالية الأميركية مقابل ارتكاب فعل الخيانة العظمى بالتخلي عن جزء من أرض الوطن على الحدود البرية المعترف بها دولياً منذ العام 1926، كتكملة لما تمت سرقته عبر ترسيم الحدود البحرية. (3)
كيف نواجه المخطط الجديد؟
لذا، نرى أن المخطط الصهيوني بشكله الجديد، المدعوم من الإمبريالية العالمية، والأميركية منها بالتحديد، سيستمر، ربما باعتماد سياسة العصا تارة والجزرة تارة أخرى، في محاولة لتحقيق ما طرحه نتنياهو في مشروعه حول إستعادة السيطرة الكاملة على غزة وفي توجهه لقضم قسم جديد من أرض لبنان الحدودية، عدا عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا تزال تحت الاحتلال والتي كانت عرضة للاستيطان الصهيوني على غرار الضفة الغربية.
من هنا، وانطلاقاً من أن المخطط هذا يحظى بتأييد الأنظمة التابعة والمطبّعة، نرى أن الشكل الوحيد لمنعه من النجاح يكمن في توحيد القوى المقاومة له على امتداد ساحات النضال. وبرأينا، بمقدار ما تستطيع قوى اليسار والتقدم أن تستعيد دورها في الصراع العربي – الصهيوني، بمقدار ما تستطيع هذه المقاومة أن تحقق أهداف تحرير الأرض العربية والإنسان العربي، وكذلك أهداف التقدم للشعوب العربية، والنجاح للقضية المركزية، قضية تحرير فلسطين وعودة أهلها إليها من أجل بناء الدولة الوطنية الموحّدة وعاصمتها القدس.
(1) – ضم اللقاء برت ماكغورك كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، إضافة إلى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ووفد صهيوني برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية رون درمر، المقرب لنتنياهو…
(2) – العودة إلى المقابلة التي أجرتها صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية مع مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، التي أعلنت عن استعداد بلادها للمشاركة في قوة حفظ سلام متعددة الجنسية في قطاع غزة.
(3) – نشرت وكالة رويترز النص الحرفي للتصريح (26 تموز / يوليو 2024)
نائب الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني والمنسقة السابقة للقاء اليساري العربي.
يبدو أن هناك مهددات باتت واضحة لتقسيم السودان أسفرت عنها حرب الجنرالات في السودان التي انطلقت في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام 2023، والتي تكاد تكمل عامها الثاني.
من الواجب رفع الصوت في هذه المرحلة المصيرية والدعوة إلى تكاتف القوى السياسية والشعبية التي لا تزال تعتبر الكيان الصهيوني عدواً لنا. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، العمل على استعادة السيادة الحقيقية على أرض الوطن ومياهه وثرواته
سيطرة المتمردين على غونا قد تؤدي إلى انهيار الحكومة المركزية في بعض المناطق، ما قد يخلق فراغاً سياسياً يسمح بتوسع الجماعات المسلحة الأخرى في مناطق أخرى من البلاد.
باتت “إسرائيل” ترى في اليمن تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وتقدر أنها في حرب مفتوحة مع اليمن لا تنتهي بمجرد التوصل لاتفاق إطلاق نار مع المقاومة في غزة الذي تحقق مؤخراً.