السودان.. حصاد العام 2024
عبثية الحرب تتجلى في أنها تدور داخل سكن المواطنين الأبرياء في أسواقهم ومدارسهم وبيوتهم وكل أماكن تجمعاتهم.
تشهد موزمبيق، الدولة الواقعة في جنوب شرق إفريقيا، احتجاجات غير مسبوقة بعد انتخابات رئاسية مثيرة للجدل. فرضت حكومة حزب جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) حظراً على المظاهرات بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت إلى أكبر حركة ضد الحزب الحاكم منذ الاستقلال. ترافق ذلك مع ردود فعل عنيفة من قوات الأمن، ممَّا أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات. ومنذ ذلك الحين، يعيش الشعب الموزمبيقي في حالة من التوتر السياسي والاجتماعي، حيث أدَّت هذه الاحتجاجات إلى تقسيم المجتمع بين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم، ممَّا يزيد من تعقيد المشهد الداخلي في البلاد.
اندلاع الاحتجاجات والعنف
بدأت الاحتجاجات في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024 عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. فوز دانييل تشابو، مرشح حزب فريليمو، بنسبة تفوق 70% من الأصوات قوبل بانتقادات واسعة من المعارضة، وعلى رأسها فينانسيو موندلين من حزب بوديموس. ورغم احتجاجات المعارضة، رفضت الحكومة مطالب التغيير، ووصفت التظاهرات بأنها “أعمال إرهابية”، ممَّا أسفر عن اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، وأسفرت عن سقوط العديد من القتلى والمصابين. كما أن هذه الاحتجاجات تكشف عن تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث يعبر الشعب عن قلقه العميق من تفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
الانتخابات الرئاسية والشبهات حول نزاهتها
أثارت الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر الماضي جدلاً واسعاً بعد إعلان فوز تشابو، بينما شككت المعارضة في نزاهتها. اتهم حزب بوديموس بقيادة موندلين الحزب الحاكم بتزوير النتائج، مدعياً أن الانتخابات شهدت العديد من المخالفات مثل تأخير تمويل الأحزاب المعارضة وعرقلة عمل مراقبي الانتخابات. علاوة على ذلك، أشار مراقبو الانتخابات الدوليون إلى وجود عدد غير طبيعي من الناخبين في المناطق التي يتوقع دعمها لحزب فريليمو. وبالإضافة إلى هذه الشبهات، تعرضت وسائل الإعلام المستقلة للرقابة، ممَّا أضعف من قدرة الشعب على الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة حول سير الانتخابات ونتائجها.
الأسباب الاجتماعية والاقتصادية للاحتجاجات
يعيش أكثر من نصف سكان موزمبيق تحت خط الفقر، حيث تواجه البلاد مشاكل اقتصادية خانقة تشمل ارتفاع معدلات البطالة، تفشي الفساد، والأزمات الإنسانية الناجمة عن الأعاصير والجفاف المرتبط بتغير المناخ. هذه الظروف أدَّت إلى تصاعد الاحتجاجات التي لم تعد تقتصر على المعارضة السياسية، بل تشمل أيضاً المظالم الاجتماعية الناجمة عن الأوضاع المعيشية الصعبة. وتفاقم هذه المشاكل بسبب غياب سياسات اقتصادية حقيقية تساهم في تحسين حياة المواطنين.
تجعل موزمبيق موقعها الاستعماري الجديد داخل النظام الرأسمالي العالمي اقتصادها وحكومتها يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الخارجية والقروض “متعددة الأطراف”. تلعب النخبة الحاكمة دوراً طفيلياً في النهب لإثراء نفسها وبناء شبكات المحسوبية لإبقائها في السلطة. كما أن الانقسامات العرقية والإقليمية قد ساهمت في تفاقم الوضع الاجتماعي، حيث يشعر البعض بأنهم مهمشون من عملية التنمية.
تعريف تاريخي عن الحزب الحاكم
تأسست جبهة تحرير موزمبيق في عام 1962 نتيجة للاضطرابات والإحباط بين العديد من السكان الأصليين في موزمبيق ضد الاحتلال البرتغالي. بعد الاستقلال عام 1975، أعلن مؤسسو فريليمو على وجه الخصوص أن كفاح التحرير هو كفاح طبقي. تم إعلان موزمبيق دولة “ماركسية لينينية” على الرغم من عدم وجود أي علامات على سيطرة العمال وإدارتهم للمجتمع. ومع ذلك، مهد الحزب الطريق لرفع مستويات المعيشة من خلال السياسات القائمة على تأميم الصناعة والتخطيط الاقتصادي. جرت محاولات لإنشاء تعاونيات زراعية جماعية، وكان التعليم العلماني يُعتبر حيوياً لإنتاج جيوش من الإداريين والمعلمين والفنيين والمهندسين والدكاترة. ورغم صدق التحرك نحو الاشتراكية، لم يكن لديهم فهم واضح لاستحالة بنائها، خاصة في بلد متخلف اقتصادياً مثل موزمبيق. لا يمكن للنضال من أجل الاشتراكية أن ينجح بحرق المراحل، إذ أدَّت القيود المفروضة على فهم قيادة فريليمو إلى تعزيز المصالح السوفييتية والصينية المتضاربة، ممَّا عزز القيود الإيديولوجية والسياسية.
لقد مهدت هذه الأحداث الطريق أمام النموذج الرأسمالي النيوليبرالي الكارثي الذي تبنته فريليمو، والذي أوصل موزمبيق إلى الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تعيشه اليوم. هذا التحول إلى الرأسمالية لم يؤد فقط إلى تدهور الوضع الاجتماعي، بل أيضاً إلى تقوية دور الشركات الأجنبية في الاقتصاد الموزمبيقي، ممَّا زاد من تأثير القوى الإمبريالية في الشؤون الداخلية للبلاد.
الحركات السياسية المعارضة
حزب بوديموس بقيادة موندلين، رغم كونه يُعد بديلاً للحكومة، إلَّا أن مواقفه السياسية وارتباطاته الإيديولوجية مع قوى اليمين المتطرف في البرتغال قد أثارت جدلاً حول مصداقيته كبديل ديمقراطي. خلال حملته الانتخابية، استعرض موندلين علاقاته مع شخصيات يمينية متطرفة مثل جايير بولسونارو ودونالد ترامب، ممَّا أثار تساؤلات حول نواياه السياسية في حال وصل إلى السلطة. وهذه العلاقات أثارت قلق العديد من المراقبين، حيث أن مثل هذه التحالفات قد تؤدي إلى تأزيم الوضع السياسي في موزمبيق بشكل أكبر، خاصة في ظل الظروف الحالية.
التدخلات الإمبريالية والمصالح الاقتصادية
الصراع في موزمبيق يتداخل مع المصالح الاقتصادية الدَّولية، حيث تسعى الشركات الغربية مثل “إكسون موبيل” و”توتال إنيرجي” للاستفادة من الموارد الطبيعية في شمال البلاد، وخاصة احتياطيات الغاز الضخمة في كابو ديلجادو. هذه المصالح تدفع القوى الغربية إلى التدخل في الشؤون الداخلية لموزمبيق، ممَّا يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد. ومع الحرب في أوكرانيا وتزايد الاعتماد على الغاز الأفريقي، يصبح مستقبل موزمبيق في قلب الصراعات الاقتصادية العالمية. هذه المصالح قد تؤدي إلى صراع طويل الأمد حول السيطرة على الموارد الطبيعية في البلاد، ممَّا يضاعف من معاناة الشعب الموزمبيقي.
الآفاق المستقبلية والتحديات الاجتماعية والسياسية
الأوضاع في موزمبيق تشير إلى مزيد من التصعيد في حال استمرار الحكومة في قمع الاحتجاجات وعدم الاستجابة لمطالب الشعب. في الوقت نفسه، يظل هناك غموض حول كيفية تطور المعارضة السياسية في البلاد، خاصة مع شخصيات مثل موندلين الذي لا يقدم بديلاً حقيقياً للوضع الحالي. تبقى آفاق المستقبل مرهونة بتطورات الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ومدى قدرة الحركات الاجتماعية على التوحد لتحقيق التغيير. هناك حاجة ملحة لإيجاد حلول سياسية قائمة على التوافق بين جميع الأطراف، وإيجاد آليات حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
في الختام، يبقى الوضع في موزمبيق معقداً للغاية. الحكومة الحالية تواجه ضغطاً داخلياً متزايداً مع استمرار الاحتجاجات، بينما تراقب القوى الإمبريالية والدولية الوضع عن كثب. تتطلب المرحلة المقبلة من الحكومة والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤرق الشعب الموزمبيقي. يظل الأمل في تحرك شعبي قادر على تغيير المعادلة السياسية في البلاد. إذا استمر تجاهل مطالب الشعب، قد تجد موزمبيق نفسها في حلقة مفرغة من العنف والاضطرابات التي يصعب الخروج منها.
عبثية الحرب تتجلى في أنها تدور داخل سكن المواطنين الأبرياء في أسواقهم ومدارسهم وبيوتهم وكل أماكن تجمعاتهم.
موقع سورية وتموضعها الدولي، ليس ملكاً لمن يجلس على كرسي حكمها، أياً تكن خلفيته؛ تموضع سورية ملك للشعب السوري الذي سيحدد هو في نهاية المطاف، اتجاه السفينة ومرساها.
إنها تحديات العام الجديد وعلى أبواب مرحلة جديدة تتشكل ملامحها في خضم التحوّلات التي تطرح أهمية المراجعة النقدية والحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية، والتعامل مع المتغيرات المحيطة بحذر وجدية وشعور عالٍ بالمسؤولية.
شهدت الكويت خلال الأشهر الأخيرة صدور العديد من المراسيم والقرارات بسحب الجنسية الكويتية وفَقْدها وإسقاطها عن آلاف المواطنين والمواطنات، وهي في الوقت الحاضر قد تجاوزت ١٨ ألفاً وقابلة للزيادة