“نادي الاستقلال” من التأسيس إلى الحلّ

في ٢٨ ديسمبر/ كانون الأول من العام ١٩٦٣ تم إشهار “نادي الاستقلال” وهو نادٍ ثقافي اجتماعي يعد امتداداً للنادي الثقافي القومي، الذي جرى حلّه مع بقية الأندية الكويتية في العام ١٩٥٩ بعد أحداث مهرجان الذكرى الأولى للوحدة المصرية السورية في ثانوية الشويخ والخطاب الشهير، الذي ألقاه آنذاك الزعيم الوطني التاريخي جاسم القطامي مطالباً بوجود دستور ونواب ووزراء منتخبين.

وجاء إشهار “نادي الاستقلال” وعدد من الجمعيات والأندية بعد نيل الكويت استقلالها وانتخاب “المجلس التأسيسي” المعني بوضع دستور للبلاد، حيث أقرّ المجلس القانون رقم ٢٤ لسنة ١٩٦٢ بشأن الأندية وجمعيات النفع العام، ما أفسح المجال أمام أعضاء “النادي الثقافي القومي” المنحل وهم من القوميين العرب لإشهار نادٍ جديد لهم تحت اسم “نادي الاستقلال”، ومثلهم فعل الإخوان المسلمون عندما طلبوا إشهار “جمعية الإصلاح الاجتماعي” كبديل عن جمعيتهم السابقة “جمعية الإرشاد الإسلامية”. 

مقرا النادي:

كان المقر الأول لنادي الاستقلال خلال عقد ستينات القرن العشرين في منطقة حولي ضمن مبنى مستأجر يقع على شارع المثنى، ثم انتقل في بداية السبعينات إلى مبناه، الذي شيّده أعضاء النادي في منطقة النقرة المجاورة، وكان يطل على طريق المغرب السريع.

أحمد النفيسي وعبدالله النيباري
سامي المنيس وأحمد النفيسي

وتعاقب على رئاسة نادي الاستقلال ومجالس إدارته شخصيات وطنية وقومية وتقدمية من بينهم: سامي المنيس، أحمد النفيسي، عبدالله النيباري، ناصر الفرج، محمد الغربللي، وعبدالله السبيعي، وغيرهم.

وكانت تقام في النادي أنشطة ثقافية واجتماعية وندوات ومحاضرات عامة تميزت بالحضور الجماهيري الواسع، وبينها محاضرة للشخصية الوطنية اللبنانية كمال جنبلاط، وندوات انتخابية لمرشحي قائمة “نواب الشعب” المعارضة، كما كان النادي يضم مكتبة ثرية أشرف على تطويرها وعلى إدارتها الكاتب المعروف خليل علي حيدر، بالإضافة إلى كون النادي بالأساس أحد أهم مراكز تجمع العناصر الوطنية والديمقراطية والتقدمية.

أحمد النفيسي ومحمد الغربللي

وشهد المقر الأول لنادي الاستقلال في العام ١٩٦٤ انعقاد الجمعيات العمومية التأسيسية للعديد من النقابات العمالية وانتخاب مجالس إداراتها قبيل إشهارها، كما كان النادي مقراً للجنة الكويتية للسلم والتضامن، التي رأسها الزعيم الوطني التاريخي د. أحمد الخطيب في النصف الأول من السبعينات.

حلّ نادي الاستقلال:

 في ٢٩ أغسطس/ آب من العام ١٩٧٦ صدر أمر أميري بتعليق عدد من مواد الدستور وتعطيل الحياة النيابية لمدة أربع سنوات، وقد بادر الاتحاد العام لعمال الكويت بقيادة الزعيم النقابي العمالي البارز ناصر الفرج إلى الاتصال بجمعيات النفع العام لإعلان موقف موحد ضد تلك الإجراءات غير الدستورية، واستمرت الاتصالات والاجتماعات أكثر من أسبوعين، وقد التقى وزير الشؤون بقيادات الجمعيات والاتحادات لإقناعهم بعدم إعلان مثل هذا الموقف… وفي يوم الخميس ١٦ سبتمبر اتفقت سبع من الهيئات الشعبية هي: الاتحاد العام لعمال الكويت، ورابطة الأدباء، وجمعية المحامين، وجمعية الصحفيين، ونادي الاستقلال، وجمعية المعلمين، والاتحاد الوطني لطلبة الكويت على إصدار بيان تطالب فيه هذه الجمعيات والاتحادات “بعودة الشرعية والحكم الدستوري، واسترداد المكاسب الديمقراطية بأسرع وقت”، وقد صدر البيان مؤرخاً في ١٨ سبتمبر، ولكن تم توزيعه بدءاً من يوم الجمعة.

ناصر الفرج متحدثاً

وجراء ذلك تم اعتقال القيادات النقابية العمالية ومعظمها من العناصر اليسارية، التي شاركت في إصدار البيان وتوزيعه، ثم أفرج عنهم بعد نحو أسبوع من اعتقالهم، وأحيلت مجالس إدارات جمعيات النفع العام والاتحاد الوطني لطلبة الكويت الموقعة على البيان إلى النيابة العامة للتحقيق معها… وفي أواسط شهر نوفمبر/ تشرين الأول من العام ١٩٧٦ اتخذت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سلسلة قرارات بحلّ مجالس الإدارات المنتخبة للجمعيات الموقّعة على البيان، وفرضت مجالس إدارات معينة عليها، وذلك ما عدا الاتحاد العام لعمال الكويت، الذي يشترط القانون حل مجالس إدارات النقابات بمقتضى أحكام قضائية، والاتحاد الوطني لطلبة الكويت، الذي لم يكن مشهراً ولا يزال كذلك.

الصورة من أرشيف جريدة الطليعة الكويتية: قوات الأمن تحاصر نادي الاستقلال في يونيو ١٩٧٦

وفي ٢٠ ديسمبر/ كانون الأول من العام ١٩٧٦ صدر قرار وزاري عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حمل الرقم ٥٥ لسنة ١٩٧٦ بتعيين مجلس إدارة مؤقت لنادي الاستقلال، وهذا نصّه:

“بعد الاطلاع على المادتين (٦)، (٢٧) من القانون رقم (٢٤) لسنة ١٩٦٢ في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، وعلى النظام الأساسي لنادي الاستقلال، وحيث أنّ مجلس إدارة النادي المذكور قد أصدر بياناً بتاريخ ١٩٧٦/٩/١٨ تضمن مسائل سياسية مخالفاً بذلك ما حظرته على الجمعيات والأندية المادة (٦) من القانون رقم (٢٤) لسنة ١٩٦٢ سالف الذكر من تدخل في السياسة، وحيث إنّ ذلك يعتبر خروجاً على أهداف النادي التي تنحصر في الأغراض الاجتماعية والثقافية كما هو واضح من نظامه الأساسي، كما أنه يشكل مخالفة جسيمة لهذا النظام الذي يحرّم على النادي التعرض للمسائل السياسية، وحيث إنّ الفقرتين (٢) و(٤) من المادة (٢٧) من القانون رقم (٢٤) لسنة ١٩٦٢ تجيزان حل النادي لهذه الأسباب، إلا أنّه لما كانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة قد وضعت علاجاً بديلاً للحل هو تعيين مجلس إدارة مؤقت يتولى اختصاصات مجلس الإدارة المنتخب إذا كان ذلك في مصلحة الأعضاء والأهداف الاجتماعية للمجتمع، وحيث إنّ مصلحة أعضاء هذا النادي أن يستمر في تأدية رسالته الثقافية والاجتماعية وألا تعطل أهدافه نتيجة انحراف مجلس إدارته لذلك، قرر: 

“مادة أولى: يُحَل مجلس إدارة نادي الاستقلال، ويعين لإدارة النادي مجلس إدارة مؤقت يشكّل من:

١-عبد الله عبد الرحمن الرويح رئيساً.

٢-عبد الكريم علي جعفر نائباً للرئيس.

٣-محمد برجس البرجس أميناً للسر.

٤-إبراهيم محمد بداح أميناً للصندوق.

٥-عبد الوهاب سلطان مهنا عضواً.

مادة ثانية: يكون لمجلس الإدارة المؤقت كافة اختصاصات مجلس الإدارة المنصوص عليها في النظام الأساسي للجمعية، ويباشر عمله لمدة سنة من تاريخ العمل بهذا القرار.

مادة ثالثة: على مجلس الإدارة المنحل تسليم المجلس المعيّن كافة المستندات والوثائق والسجلات وكذلك الأموال وكل ما يتعلق بالجمعية في خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور هذا القرار.

ويتعين على كافة موظفي النادي تسليم ما بأيديهم من مستندات أو سجلات أو وثائق أو أموال إلى مجلس الإدارة المعيّن.

مادة رابعة: على وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تنفيذ هذا القرار، ويعمل به اعتباراً من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية.”

على الرغم من حل مجلس الإدارة فقد استمر حضور الأعضاء إلى مقر النادي من دون ممارسة أي نشاط… ولكن مع مرور الوقت تمادى أحد أعضاء مجلس الإدارة المعيّن من الحكومة بممارسة نشاطات غير أخلاقية في مقر النادي، أما الغالبية من أولئك الأعضاء المعينين فلم تحضر إلى مقر النادي، وحدث احتكاك مع عضو مجلس الإدارة المعيّن، الذي كان يتصرف بشكل استفزازي… وبعد فترة أجريت انتخابات جديدة لمجالس الإدارات في جمعيات المعلمين، والصحافيين، والمحامين، ورابطة الأدباء، ولكن الأمر كان مختلفاً مع نادي الاستقلال، الذي يبدو أنّ القوى المتنفذة كانت تراه خصماً، بل تعاملت معه كعدو، ورفضت التراجع عن القرارات التعسفية، التي اتخذتها ضده، بالرغم من زوال أسبابها، ومرور فترة طويلة من الوقت، وهي قرارات استهدفت ضرب التيار الوطني والديمقراطي والتقدمي المدني في المجتمع الكويتي وتهميشه، وكان هذا هو النهج المتبع منذ النصف الثاني من السبعينيات.

ففي ٢٧ يوليو من العام ١٩٧٧ أصدر وزير الشؤون الاجتماعية قراراً جديداً بحل نادي الاستقلال وتصفية أمواله حمل الرقم ٣٣ لسنة ١٩٧٧، ثم جرى تحويل مقره إلى الجمعية الكويتية لرعاية المعوقين، التي حولته إلى ناد رياضي للمعوقين.

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

انتخابات ٢٥ يناير ١٩٦٧ المزوّرة

عندما اتضح أنّ قائمة “نواب الشعب” ستحرز نجاحاً مرجحاً في المعركة الانتخابية، استعدت السلطة لتزوير الانتخابات، بهدف ضمان غالبية المجلس إلى جانبها…

أساليب مبتكرة للمقاومة الفلسطينية في مرحلة الهرولة للتطبيع

كان خروج مصر من معادلة الصراع العربي – الصهيوني بشكل كامل عام 1978، بتوقيع الرئيس السادات معاهدة الصلح المنفرد مع “إسرائيل”، واندفاعه إلى حظيرة التبعية لأميركا، عاملاً رئيسياً في تغير الظروف الإقليمية لصالح العدو الصهيوني. وشهدت نهايات السبعينات وما تلاها تغيرات دولية في اتجاه هيمنة القطب الواحد الأميركي.

الثورة الجزائرية الخالدة ” نبراساً لمقاومة الاستعمار والظلم”

كان صدى الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر عام 1954 يدوي في كل مكان من هذا العالم ضد الظلم والاستبداد الاستعماري، لاسيما أن هناك العديد من الشعوب ما زالت تحت نير الاستعمار الغربي، الذي كان يعم مناطق كثيرة في العالم، خاصة المستعمرات الفرنسية على وجه التحديد في إفريقيا، حيث أن الثورة الجزائرية أشعلت لهيب العنف الثوري ضد المستعمر كخيار مبدئي واستراتيجي للحصول على الاستقلال الكامل والحرية