نحو تصحيح مفهوم المواطنة

في ظل التوّسع غير المسبوق خلال الأشهر الثلاثة الماضية في قرارات سحب الجنسية الكويتية وفَقْدها من آلاف المواطنين والمواطنات المرتبطة بما أصبح متعارفاً عليه بموضوع “الهوية الوطنية”، وذلك تحت ذرائع التزوير والازدواجية وعدم سلامة الأدوات القانونية لاكتساب الجنسية، وما نجم عن هذه القرارات من تداعيات وتناقضات واستقطابات، فإنّه من الأهمية بمكان أن نتوقف بالأساس أمام مسألة المواطنة في الكويت، التي أصبحت تتطلب أولاً تصحيح مفهوم المواطنة وضرورة وضع أسس وطنية إنسانية وحضارية له، ذلك أنّ قانون الجنسية الكويتية الحالي الصادر في العام ١٩٥٩ وما تعرض له هذا القانون من تعديلات عديدة ومتناقضة لم يعد يمثّل اليوم أساساً صالحاً لإقامة ما يفترض أن يتحقق من مواطنة دستورية متساوية في إطار دولة حديثة.

إنّ مفهوم المواطنة مفهوم حديث، فما بالك بالمواطنة الدستورية المتساوية، ذلك أنّ الإنسان قبل قيام الدول كان مجرد فرد ينتمي إلى جماعة إنسانية مثل العشيرة أو القبيلة، ثم أصبح بعد قيام الدول القديمة من ممالك وسلطنات وإمارات ومشيخات في مجتمعات الرق والإقطاع  وما شابهها مجرد واحد من الرعايا التابعين أو الخاضعين، ولكن الأمر تبدّل مع تأسيس الدول الحديثة، عندما أصبحت المواطنة تمثّل علاقة قانونية تربط المواطن بالدولة، وهي علاقة متحققة ضمن شروط وأوضاع تاريخية وجغرافية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ومعنوية تؤسس لهذه العلاقة وتعززها وتضمن استمرارها… بحيث لم يعد المواطنون مجرد رعايا واتباع، وإنما أصبحوا مواطنين لهم حقوق على الدولة، مثلما فُرضت عليهم واجبات تجاهها.

وفي الغالب، فإنّ دساتير الدول وقوانين الجنسية فيها هي الأطر التشريعية لتنظيم تلك العلاقة.

وفي الكويت نجد أنّ قانون الجنسية الكويتية قد صدر عندما كانت الكويت إمارة وذلك قبل استقلال الدولة بنحو عامين، وقبل وضع دستور لها… ثم تعرض ذلك القانون إلى سوء تطبيق، وهذا ما نجده يتجلى بشكل واضح في عدم تطبيق المادة الثانية من قانون الجنسية، التي تنص على أن الكويتي مَنْ ولد لأب كويتي، وهو تعريف ينطبق على أبناء الكويتيين بالتأسيس وبالتجنس، بما يكفل توحيد الجنسية بين الأبناء والأحفاد ومَنْ تلاهم، كما اكتفى القانون بما أسماه رابطة الدم في كسب الجنسية؛ وقصرها على علاقة الابن بالأب وتجاهل رابطة الدم الفعلية مع الأم، ولم يعتد القانون في اكتساب الجنسية بمكان الميلاد، مثلما هي الحال في معظم بلدان العالم الحديث، ومايز بين المواطنين في الحقوق على خلاف ما جاء به الدستور بعد ذلك في العام ١٩٦٢ من رفض للتمييز وتأكيد لمبدأ المساواة.

وغير هذا فقد تعرّض قانون الجنسية في الكويت إلى عشرات التعديلات على مواده وأحكامه طوال السنوات الخمس والستين الماضية، وغالب تلك التعديلات كانت تعديلات سلبية تمّ فيها التشدد في شروط اكتساب الجنسية والتوسع في حالات جواز سحبها، ثم صدر قانون المحكمة الإدارية في العام ١٩٧٦، الذي منع القضاء الإداري من النظر في قضايا الجنسية وسحبها، ما أطلق يد السلطة التنفيذية من دون رقابة قضائية، هذا ناهيك عن الانتقائية والمزاجية، التي اتسمت بها العديد من حالات منح الجنسية أو سحبها، وما خضعت له من مساومات وترضيات وتعسف، فيما تمّ تجاهل وضع حلّ إنساني عادل ونهائي لقضية عديمي الجنسية، ما أدى إلى تفاقمها مع مضي الوقت، وهي اليوم مرشحة لمزيد من التفاقم والتعقيد.

ومن هنا، فإنّ معالجة ما يتعارف عليه بقضية “الهوية الوطنية” على أسس صحيحة لا يمكن أن يتحقق في ظل قانون الجنسية الحالي، الذي أقل ما يُقال عنه أنّه متخلف ومتناقض… فما بالك بقدرة هذا القانون على علاته على تلبية الاستحقاق الأهم وهو تحقيق المواطنة الدستورية المتساوية؟

Author

اقرأ المزيد من المقالات ذات الصلة

بدعة “بوابة تفتيش” للرقابة

نعترض على أي اتجاه لاستحداث قنوات رقابية غير قانونية ونرفض أي محاولة لاعتماد معايير رقابية غير مهنية على النتاجات الإبداعية من كتب وأفلام ومصنفات فنية

“وعد بلفور” … الحلقة الأولى من مسلسل التآمر الإمبريالي الصهيوني على العرب

الصراع مع الكيان الصهيوني ليس صراعاً مع الفلسطينيين وحدهم بوصفهم الضحية الأولى للاحتلال، وإنما هو صراع وجودي مع شعوب الأمة العربية وقواها التحررية كافة وفي مقدمتها الشعب العربي الفلسطيني وقوى المقاومة، فالمشروع الصهيوني يستهدفنا جميعاً.

سنة على طوفان الأقصى: وحدة المصير… مقاومة على درب التحرير

طوفان الأقصى أعاد الاعتبار إلى المقاومة بوصفها الخيار الأساسي الأول أمام شعبنا العربي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وأبرز مآثر الصمود الشعبي الفلسطيني الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الوحشية الصهيونية، وقطع الطريق على محاولات التآمر الصهيوني- الإمبريالي المحمومة لتصفية القضية الفلسطينية، وطوى صفحة العار المتمثلة في اتفاقات أوسلو الخيانية.

[zeno_font_resizer]