مع صمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري، وتكبيدها خسائر جمة بجيش الاحتلال الصهيونى، وشركائه وداعميه من القوى الاستعمارية الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، ومع بدايات التصدع في داخل الكيان الصهيوني (نتيجة خسائره الكبرى في الأنفس والعتاد والاقتصاد) مع دخوله الشهر الرابع من العدوان الوحشي على أهالينا في قطاع غزة، عقب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر2023، وامتداد عدوانه على الضفه الغربية.
ومع عجز الكيان الصهيونى عن تحقيق أي من أهدافه منذ عدوانه في الثامن من أكتوبر 2023، على غزة، رداً على عملية المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” التي فضحت زيف وكذب الكيان الاستيطاني المحتل حول أنه واحة الديمقراطية، وأنه “القوة العظمى الإقليمية” في الشرق الأوسط، وأنه يملك جيشاً لا يقهر وأقوى جهاز استخباراتي.
ومع انتصار إرادة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بالبقاء وتقديم أرواحه فداء للحفاظ على الأرض والمقدسات، يحاول الكيان الصهيونى تحقيق أي انتصار، بعد أن عجز عن القضاء على المقاومة (كما كان يتصور)، وعجز عن تحرير الأسرى الصهاينة لدى المقاومة.
ولقد قال رئيس الموساد السابق يوسى كوهين بعد 80 يوماً من عدوان الكيان الصهيوني العنصري على قطاع غزة “ليسمعني بني وطني، إذا استمر هذا الفريق في قيادتنا (يقصد نيتانياهو وحكومته) فنحن عائدون إلى البلدان التي جئنا منها بولندا وروسيا وبريطانيا وأميركا إذا سمحوا لنا بالعودة”.
وإنني أؤكد على أن من نتائج الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية ونصرها ضد حرب الإبادة الجماعية من جانب قوات الاحتلال هو عودة “اليهود” إلى بلادهم التي جاءوا منها وتحرير فلسطين وعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم في فلسطين الحبيبة.
كشفت مصادر سياسية وإعلامية صهيونية، السبت 27 يناير 2024، أن الكيان الصهيوني أبلغ مصر أنه ينوي دخول منطقة رفح ومحور فيلادلفيا جنوبي غزة، لكنها لن تبقى في المنطقة بشكل دائم. ولقد أثار الأمر غضب الجانب المصري الذي واجه الطلب بمعارضة شديدة، لتبدأ محادثات بين الطرفين حاول خلالها الجانب الصهيوني تهدئة مصر، وتعهد ألا يقوم على الإطلاق بتهجير الفلسطينيين تجاه الأراضي المصرية، وشدد الجانب الصهيوني على أن القوات لن تبقى في المنطقة لوقت طويل.
وقد تم الاتفاق على لقاءات بين الطرفين للحديث عن الموضوع، حسبما ذكر محرر الشؤون “الإسرائيلية” لـ “سكاي نيوز عربية”، ورغم المحاولات الصهيونية لتهدئة الوضع، فإن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، خرج السبت بتصريحات يمكن وصفها بالتصعيد، عندما أعلن أن لكل بلد مصالحه التي يسعى لتحقيقها، ضارباً بعرض الحائط الغضب المصري.
وأكد مصدر مصري رفيع المستوى لـ “القاهرة الإخبارية”، في يوم الأربعاء الموافق 30 من يناير 2024 أنه لم تتم أي ترتيبات مع الجانب “الإسرائيلي” بشأن محور صلاح الدين “فيلادلفيا” وغير مقبول أي تحركات من جانب تل أبيب.
ويخطط الكيان الاستيطاني المحتل لعملية عسكرية داخل غزة على طول الحدود مع مصر، وتردد أن هذه العملية تشمل إبعاد الفلسطينيين وتمركز قوات صهيونية على امتداد الزاوية الجنوبية الشرقية لغزة المتاخمة لكل من الكيان ومصر باتجاه البحر المتوسط على بعد 12 كيلو متر إلى الشمال الغربي.
محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا بالعبري)، شريط حدودي ضيق داخل أراضي قطاع غزة، يمتد بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر من البحر المتوسط وحتى معبر كرم أبو سالم وهو محور ثلاثي الاتجاهات بين مصر والكيان الصهيوني وقطاع غزة.
وتجدر الإشارة إلى أنه في منتصف شهر ديسمبر2023 انتهت مصر من تعزيز السياج الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة شمال شرق سيناء بجدار خرساني وسواتر ترابية، مع تفكيك أبراج المراقبة المحاذية وإعادة بناءها غرباً داخل الأراضي المصرية.
ووفقاً لأحكام “معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية” (كامب ديفيد) عام 1979، اشترطت الكيان الصهيوني للانسحاب من شبه جزيرة سيناء أن تكون الحدود كما كانت أيام الانتداب البريطاني على فلسطين، ويكون منفذ الحدود في مدينة رفح، وتكون المنطقة القريبة من الحدود (ج) منطقة منزوعة السلاح فيها فقط أسلحة خفيفة مع قوات من الشرطة. وكان الغرض من المحور هو منع التهريب للمواد غير المشروعة (الأسلحة والذخائر والمخدرات) ومنع الهجرة غير الشرعية عن طريق منع التسلل عبر الحدود.
بعد اتفاقية أوسلو(2) عام 1995 وافق الكيان الصهيوني على الإبقاء على المحور بطول الحدود كشريط آمن لمنع التهريب.
وفي عام 2004 قام الكيان الصهيوني بالانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة (الذى احتلته في 1967) بما فيها محور صلاح الدين، واعتبرت وقتها وزارة حرب الكيان الصهيوني أن الانسحاب من المحور تهديد لأمنها. وقتها قام الكيان الصهيوني بتوقيع اتفاق مع مصر (اتفاقية فيلادلفيا)، وتسمح هذه الاتفاقية لمصر بنشر قوة (750) فرداً من حرس الحدود لتسيير دوريات على الجانب المصري لمنع التسلل والتهريب، ونصت الاتفاقية على أن القوة المصرية هي قوة مخصصة لمكافحة الإرهاب، والتسلل عبر الحدود، وليست قوة عسكرية، مع الإبقاء على حالة المحور كمناطق منزوعة السلاح وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد.
وبعد إنسحاب قوات الاحتلال من غزة تم نقل سلطة محور صلاح الدين إلى السلطة الفلسطينية، وتم فتح معبر رفح في نوفمبر 2005، ووضعه تحت السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي.
بعدما سيطرت حركة حماس على السلطة في غزة 2007، سيطرت بالكامل على محور صلاح الدين، ومنذ ذلك الحين يفكر الكيان الصهيونى في استعادة السيطرة على المحور من أجل منع حماس من إعادة التسليح.
إن ما يعلنه الآن الكيان الصهيوني ويهدد به من إعادة تمركز قواته على طول محور صلاح الدين ينتقص من قطاع غزة مساحة 65 كيلو متر مربع، ويعتبر خرقاً لكل الاتفاقيات التي أُبرِمت بين مصر والكيان الصهيونى، ويهدد الأمن القومي المصري ، بل ويعتبر بمثابة إعلان حرب، مما يستدعى الرد من الجانب المصري بإلغاء هذه الاتفاقيات (اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية فيلادلفيا) وأيضاً اتفاقية الكويز الاقتصادية، أو على الأقل تعليقها تمهيداً لإلغائها وفقاً لرأي ورغبة الشارع المصري والقوى الوطنية المصرية، هذه أوراق ضغط للأسف الشديد لا يستعملها النظام المصري، ولا يلتفت للرأي العام المصري الذي يطالب بإغلاق سفارة العدو الصهيونى وطرد السفير الصهيوني وسحب سفيرنا من الأرض المحتلة.
إننا نرفض ماتقوم به الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة من إبادة جماعية ومن تهجير قسري للشعب الفلسطيني من شمال غزة إلى جنوبها وحصارهم وتجويعهم لدفعهم للتوطين في سيناء، وأيضاً التهجير القسري لأهالي الضفة الغربية إلى الأردن، لأن ذلك معناه تصفية القضية الفلسطينية وإقامة “الدولة اليهودية”.
إننا نمر بأسوأ فترة في تاريخنا (حالة الذل والهوان والضعف العربي)، نتيجة لتبعية معظم الحكام العرب للولايات المتحدة الأميركية واستسلامهم لشروطها بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني والتطبيع معه دون قيدٍ أوشرط، ونتيجة وجود قواعد أميركية في عدد من البلدان العربية تهدد الأمن القومي العربي. ونتيجة نهج معظم الأنظمة العربية للسياسات النيوليبرالية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية، ونتيجة خضوع معظم حكامنا للقروض من صندوق النقد الدولى الذي يفرض شروطاً تؤدي إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية وإغراق بلداننا بالديون وتكون نتيجة ذلك بيع أصول الدول من أجل سداد الديون مما يضر بالأمن القومي لبلداننا.
كل ذلك يجعل معظم حكام وحكومات الدول العربية صامتة متواطئة بل ومشاركة في حصار غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
ولكن الأمل في صمود المقاومة الفلسطينية التي تُسّطِر بدماء أبنائها ملحمة الكفاح والصمود والإصرار على مواجهة الكيان الإحتلالي الاستيطاني العنصري والتي تدافع عن استعادة الأرض، وتدافع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، وعن الأمن القومي المصري والعربي.
والأمل في الشعوب العربية وشعوب العالم الحرة الأبية التي خرجت في كل أنحاء العالم بالآلاف والملايين من أجل دعم الشعب الفلسطيني ومساندته والمطالبة بالوقف الفوري للعدوان الصهيوني ووقف الإبادة الجماعية ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة على جرائمهم العنصرية وجرائم الحرب ضد الإنسانية التي يرتكبونها يومياً في حق الشعب الفلسطينى.
صوتت الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مشروع القرار المعنون ”ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه حكومة الولايات المتحدة ضد كوبا“، حيث صوتت 187 دولة لصالح إلغاء هذه السياسة الأميركية المعادية .
تجددت الاشتباكات بين جنرالات الحرب في السودان الجنرال “حميدتي” قائد ميليشيا الدعم السريع، والجنرال البرهان قائد الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، بشكل أكثر شراسة خلال شهر أكتوبر المنصرم على جميع محاور القتال، بخاصة في محوري الخرطوم وولاية الجزيرة.
خلاصة خبرتها النضالية ورؤيتها الثورية المفعمة بروح المقاومة والثقة بتحقيق النصر وتحرير فلسطين كل فلسطين، ولتضع أمامنا قراءتها للمشهد المقاوم المستمر منذ أكثر من عام في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة الصامد، بالإضافة إلى حديثها عن الحاضنة الشعبية للمقاومة ودور جبهات الإسناد في دعمها.
في هذه المعركة المفتوحة، والطويلة، وبغض النظر عن مساراتها، ومراحلها، تترابط مسائل التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ومواجهة السيطرة الإمبريالية وربيبتها الصهيونية، فلنكن على مستوى التحدّي.